لم يحص العالم بعد خسائره الناجمة عن تفشي وباء الكورونا، فالحرب مستمرة ليس على الوباء وحسب، بل في مواجهة الانهيارات التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي نتيجة الاجراءات التي اضطرت لها الدول للحفاظ على السلامة العامة لمجتمعاتها، مثل إغلاق الحدود، والعزل والحجر الداخلي، وتوقف وسائل النقل الجوية والبحرية والبرية، وتعطل عجلة الانتاج والتسويق والاستيراد والتصدير، فضلا عن التكاليف الباهظة للتدابير العلاجية والوقائية والأمنية وغيرها.
مجرد تقديرات أولية مثل تلك التي اصدرها بنك التنمية الآسيوي وتوقع فيها أن تبلغ خسائر الاقتصاد العالمي 8,8 ترليون دولار، أو تلك الصادرة عن منظمة العمل الدولية التي توقعت فقدان حوالي 195 مليون عامل لوظائفهم، وأن 100 مليون سيقعون في براثن الفقر سنويا، في حين يرى خبراء صندوق النقد الدولي وهيئات اخرى، ومنها إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة أن الاقتصاد العالمي وصل في الربع الثاني من العام الحالي إلى طريق مسدود، وأن الدول النامية ستكون الأكثر تضررا من نتائج الجائحة الكارثية.
إنها حالة من التدحرج نحو منحدر عميق، يصعب معها النظر إلى الخلف لمعرفة الخسائر الحقيقية التي تكبدها العالم منذ مطلع العام 2020، ويصعب كذلك رؤية الآفاق من المنحدر، ولكن العالم كله يدرك الآن ما حصل من خلال حواسه السمعية والبصرية، وليس من خلال العقل الذي لم يستوعب بعد حجم الكارثة التي حلت به على مدى الأشهر القليلة الماضية.
لو كان للعقل مكان في هذه الأزمة الفريدة من نوعها لرأينا قادة العالم مجتمعين – عبر مواقع التواصل الإلكترونية – وفي حالة انعقاد دائم للنظر في أحوال العالم يوحدون الجهود الانسانية المشتركة كما لو أنه دولة واحدة، بعد أن جعلت منه وسائل الاتصال قرية صغيرة، ولرأينا الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها تعمل وحدة واحدة متحدة لانقاذ البشرية كلها من شر الوباء وتوابعه، ولكننا لا نرى سوى تضارب المصالح، وتبادل الاتهامات، وتوتر العلاقات، والانكفاء على الذات حتى أن بعض الخبراء يعتقدون بأن عقد الاتحاد الأوروبي، وغيره من الاتحادات القارية والإقليمية قد انفرط!
لا نعرف إن كان هذا الحال مؤقتا أم أنه دائم، ولكن ما نعرفه يقينا أن كل دولة من دول العالم تعطي الأولية لنفسها، والدرس المستفاد بالنسبة لنا في الأردن، ونحن دولة من دول العالم الثالث، أو الدول النامية، أننا سنتأثر مثلها، تبعا للتوقعات التي أشرت إليها، وبعضها يشير بصورة واضحة إلى حتمية تراجع المساعدات، وتوقف الاستثمارات الأجنبية، وقد كان النصيب الأكبر منها عندنا لقطاع السياحة والفنادق، أي القطاع الأكثر تضررا على المستوى الدولي، وبالتالي ارتفاع معدلات البطالة والفقر، وتدني مستويات المعيشة، وغير ذلك من المظاهر المرتبطة بالتراجع الاقتصادي.
طبعا هناك من يراهن على الوقت بأنه كفيل بالعودة التدريجية إلى الوضع الطبيعي وأتمنى ألا ينسى هؤلاء بأن الوضع الطبيعي الذي يراهنون عليه سيعيدنا في أحسن الأحوال إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة التي كنا عليها وما زلنا!
رغم أن هذه الحرب لم تضع أوزارها بعد فأنا من الذين يؤمنون بأن بعض دلالات القوة التي أظهرها بلدنا في تصديه للوباء، يمكن أن تكون منطلقا لإعادة بناء واقعنا من جديد على أسس متينة من الوعي والعزيمة والإرادة القوية بتعظيم قدراتنا في الاعتماد على الذات، وتفعيل جميع عوامل وعناصر ومقدرات الانتاج في القطاعات جميعها، ولعلها فرصتنا السانحة للاتفاق على تعريف واضح لهوية الأردن الاقتصادية، بناء على مصادره وثرواته الطبيعية، ومهاراته البشرية، وخبراته المتراكمة التي حان وقتها، وجاء زمانها، وبانت دواعيها والحاجة إليها.