اليوم وبعد أن واجهت غالبية دول العالم صدمة تفشي الوباء واختبرت قدرتها على التعاطي معه يسود العالم شعور مشترك بأن الوباء باق لسنوات وأن لا سبيل للحفاظ على النظم وإدامة الحياة بغير العودة التدريجية للنشاط الذي توقف خلال الأسابيع والأشهر الماضية. بدرجات متفاوتة امتصت الكثير من دول العالم الصدمة الأولى لانتشار الوباء وتقبل البعض حقيقة العجز البشري عن التغلب عليه فاكتفى الجميع بإجراءات التباعد الجسدي والنظافة وإقناع الشعوب بالتخلي عن حرية الحركة والاتصال والتنقل ووقف الكثير من العادات والنشاطات التي اعتادوا على ممارستها.
على امتداد مساحة الأرض تتزايد أعداد الإصابات التي وصلت إلى ما يقارب ستة ملايين إصابة نجم عنها خسارة ما يزيد على 360 ألف شخص لأرواحهم. توزع الضحايا على قارات وشعوب وأجناس العالم يجعل من الجائحة إحدى أوسع وأخطر وأشمل كارثة تواجه البشرية منذ قرون. حتى اللحظة هناك تباين بين بلدان العالم في حجم التفشي ومعدلات الوفاة وفعالية الإجراءات وجدواها ومع ذلك لم يظهر حتى اللحظة علاج شاف أو لقاح آمن يحمي الإنسان أو يحد من فرص الإصابة.
في الأسابيع الثلاثة الأخيرة حدثت تحولات مهمة في التعاطي مع الوباء تمثلت في الانتقال من حالة التركيز على التباعد وحسر النشاط إلى حالة الإقرار بوجود الخطر والتسليم بالشروط التي يفرضها واتجاه الكثير من بلدان العالم لتبني إستراتيجيات جديدة تدعو إلى استئناف الحياة في بيئة غير خالية من التهديدات والأخطار التي يحملها «COVID-19».
لإنجاح هذه الإستراتيجية تتجه الكثير من دول العالم إلى إعداد برامج لرفع الوعي وتقديم الإرشادات التي تساعد الناس على تغيير عاداتهم وتبني أساليب وسلوكيات جديدة توفر الوقاية وتحول دون تعرض الأشخاص لأخطار الإصابة أو تهيئة البيئة للانتقال والتفشي.
في الكثير من مجالات الحياة تبرز الحاجة إلى دراسة بيئة العمل وأوجه وأنماط التفاعل وايجاد قواعد جديدة لاستخدام وإدارة الفضاء العام من أجل تعزيز السلامة وتلافي الأخطار والآثار التي قد تنجم عن الاختلاط والتفاعل حسب القواعد والممارسات السابقة على ظهور الفيروس. في مختلف البلدان والنظم هناك اتفاق على ضرورة وأهمية استئناف العمل لكن الاختلاف لا يزال قائما حول سرعة العودة ومستوى الانفتاح ومعايير السلامة والطرق الأسلم والأنسب لاستئناف العمل. مخاوف البعض من حصول انتكاسة تخرج الأوضاع عن السيطرة أصبح المحذور الأهم في حسابات الكثير من دول العالم خصوصا بعد عودة تفشي الوباء في كوريا الجنوبية التي نجحت مبكرا في الحد من الانتشار.
في الوقت الذي لا يزال البعض يستغرب صور المساجد الفارغة من المصلين ويثيرون الشكوك حول التعليم عن بعد ويتحسرون على الأيام التي كان فيها التجمع متاحا والفضاءات تعج بآلاف المواكب دون قيود أو تدقيق. هناك الكثير من الأصوات التي رأت في الجائحة فرصة للتغيير الثقافي والاجتماعي بعد أن كسر التعليم الإلكتروني حاجز الخوف من التكنولوجيا، ووجد الناس في الحظر فرصة لمراجعة العادات والسلوكيات المكلفة ماديا والمرهقة بدنيا واجتماعيا.
فتعمّقت الاتجاهات المناهضة لثقافة الاستهلاك التفاخري وما تمثله من أعباء وشكليات لا تعود بالفائدة على الأفراد ولا الأسرة. في ظل هذه المعطيات ظهرت أصوات عديدة تدعو إلى تعزيز الثقافة الإنتاجية وقيم ترشيد الاستهلاك والتوجه نحو الاستثمار والادخار والإقلاع عن كل ما لا يلزم من الممارسات.
اليوم يتوقع المواطن الأردني أن تنهض الجامعات والإعلام وأجهزة التوجيه الوطني بمسؤوليات تعزيز التحول الاجتماعي الثقافي المطلوب في العادات والممارسات والعمل وأنماط السلوك والوقاية من الأمراض، وبغير ذلك سيخسر المجتمع مناسبة وفرصة ذهبية لإحداث التغيير والتحول.
الحاجة إلى إستراتيجيات جديدة
أخبار البلد - اخبار البلد-