أمضت الجهات الرسمية، الشهور الماضية، من شهر آذار حتى نهاية شهر أيار، أي اليوم، وهي تمزج بين إستراتيجيتين، رفع المعنويات، من جهة، والمكاشفة الصحية من جهة ثانية.
ندخل غدا، شهرا جديدا، والحكومة تتجنب حتى الآن الكلام بشكل مباشر، عن الكلفة الاقتصادية للأزمة، فوق أن الفريق الاقتصادي، غائب عن الأزمة، وقد خرج علينا وزير المالية بخطاب عاطفي، فحدّثنا مرة أن المهم صحة الأردنيين، في بداية الأزمة، والباقي تفاصيل وفقا لتعبيره، ثم بدأ لاحقا بخلط التطمينات، مع الأرقام، مع تلميحات ناعمة حول جفاف الدعم الخارجي، والإقرار بحدوث هزة، دون الحديث عن تفاصيلها.
هذا جميل، غير أن أوانه قد انتهى اليوم، والوزير ذاته، بدأ بالتراجع التكتيكي عن هذه السياسة، وكأن شيئا لم يحدث، فيما الأرقام الرسمية التي تصدر عن البنك المركزي ووزارة المالية، والتي لا يتابعها أغلب الناس، ولا يترجمون مغزاها على حياتهم، تتحدث عن قروض وبيع سندات، وتحولات على صعيد العجز، والمديونية.
يخرج رئيس وزراء سابق بوزن عبد الكريم الكباريتي، ليتحدث صراحة لموقع "رأي اليوم” اللندني ويقول: "تأثيرات الجائحة على الاقتصاد شملت كل المرافق الاقتصادية، وإن ذلك انعكس على تحصيلات الدولة، ودخول القطاعات الاقتصادية والأفراد، وأن هذه الآثار السلبية سوف تستمر لفترة طويلة، وإنه لن يكون هناك مفر من الاستعداد لهذا الوضع الاستثنائي”.
هذا في الوقت الذي تسرب فيه الحكومة المعلومات بالتقسيط حول إعادة هيكلة الوزارات والمؤسسات، والإحالة المبكرة للتقاعد، وغير ذلك من إجراءات ستبدأ قريبا، فيما يطلق القطاع الخاص رسائل استغاثة من تحت الماء مطالبا بتأجيل تجديد رخص المهن، وضريبة المبيعات، وتقديم إقرارات ضريبة الدخل، التي سبق أن أجلتها الحكومة، حتى نهاية حزيران.
وسط هذه الأنباء خرجت أمانة عمان، لتتذمر هي الأخرى، وقد تلحقها بلديات كبرى وصغرى، وتتحدث عن وقف وارداتها بسبب تعطيل عمل الأمانة، واضطرارها لاستدانة مبلغ عشرة ملايين دينار، من أجل دفع الرواتب، وهذا كلام رسمي منسوب إلى الأمانة، وليس إشاعة في حارات عمان المضيئة أو أزقتها المعتمة.
لقد قيل مبكرا لمن يقرأ، ويتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إن المبالغة ستضر عند خروجنا من إجراءات الحظر، لأن كلف الأزمة الصادمة ستظهر تدريجيا، وسنلمس آثارها وقد بدأت قطاعات كثيرة بالتذمر، سواء بشكل طبيعي، أو استغلالا للأزمة، لكننا في المحصلة أمام واقع اقتصادي جديد، يفرض على الفريق الاقتصادي في الحكومة أن يجمع أوراقه، ويشرب حليب السباع، ويخرج بجرأة ويعقد مؤتمرا، ويكاشف الناس بالحقائق، وأن يتذكر أن المكاشفة هنا، قد تمس جزئيا الروح المعنوية، لكن الصراحة أفضل بكثير من الوهم، فيما مخرج النجاة أن نتذكر أن هذا الواقع، ليس أردنيا، بل يعصف بكل دول العالم.
يجب أن يقال لنا كل شيء بصراحة، فيما مواصلة التواري بعيدا عن الناس، واللجوء إلى وصفة تقسيط الأدوية المُرة بالتدريج، طريقة لن تصمد طويلا، وهي طريقة قتلتها المبالغات في إستراتيجية رفع المعنويات ونفخ الأنا الفردية في كل واحد فينا، بدايات الأزمة، وأوسطها.
القصة ليست قصة هذه الحكومة، على الرغم من أن خصومها يريدون تحمليها كلفة كل شيء، بل قصة العالم الذي يتغير، وقصة الوضع الاقتصادي المعقد في الأردن قبل كورونا، وقصة الفريق الاقتصادي، الذي يعتبره الخبراء بأنه فشل فشلا كبيرا، وليس أدل على ذلك من أن لا أحد في هذا الفريق، حاول الاستفسار من أي سياسي أو اقتصادي، جاهر برأي أو طرح وصفة اقتصادية عبر مقابلة أو مقال أو تصريح، ليسأله عمّا يقصده، أو طلب منه مكاتبة الحكومة، مقترحا حلوله.
وكأن هذا الفريق الاقتصادي اعتزل بعيدا، طالبا من الله له ولنا، حسن الختام في هذا الزمن الصعب، بعد أن انتهت حلول الأرض، وبقيت حلول السماء، دون أن ننكر هنا أن الحكومة وبكل موضوعية، أجادت في إدارة بعض ملفات الأزمة، وليس كلها.
خصوم الرئيس يريدون أن يرسلوا له بفاتورة الكلفة السياسية، عن هذه الأزمة، بسبب الإدارة الاقتصادية لفريقه، وعليه أن لا يسمح بذلك… هذه هي الخلاصة.
حتى لا يدفع الرزاز الكلفة
أخبار البلد - اخبار البلد-