الوباء يفرض كل يوم حقائق جديدة، والصورة ما تزال معتمة ومرعبة تنقلها إلينا وسائل الإعلام من أنحاء العالم، مقرونة بالخسائر الفادحة التي تتكبدها الدول والشركات الكبرى، أذكر منها شركات الطيران التي تقدر خسائرها حتى الآن بحوالي 350 مليار دولار، دون حساب خسائر السياحة والفنادق والصناعات والخدمات المتصلة بها، فضلا عن خسائر شركات النفط والبورصات العالمية، حتى أن الخسائر طالت كل شيء يتعلق بالتجارة العالمية، بينما تتصاعد نسب البطالة إلى درجة أن بعض طياري الخطوط الجوية البريطانية يعملون في مجال خدمة التوصيل إلى المنازل!
في بلدنا لم نحص الخسائر المالية والاقتصادية بعد، وإن كانت ظاهرة في تعطل معظم المصالح والخدمات والمهن، فكأننا نتهرب من مواجهة الحقائق رغم أنها ستلاحقنا شئنا أم أبينا، ولم يعد بإمكاننا التفريق بين العاطلين عن العمل كنسبة نعرفها من قبل، وبين المتعطلين عن العمل، الذين حال الوباء بينهم وبين أعمالهم المعتادة، وليس متاحا الآن بصورة واضحة معرفة مدى انعكاس أحوال محيطنا الإقليمي والدولي علينا، وليس هناك في المنظور القريب تصور عن المدى الذي سيذهب إليه الوباء على مدى هذا العام 2020 تفاقما أو انحسارا !
الواقعية هي الطريق الذي يتوجب علينا أن نسلكه، والخطوات الأولى ستقودنا حتما إلى مزيد من الاعتماد على الذات، وإلى إعادة دراسة الأولويات والتركيز عليها، والانتقال إلى مفهوم دولة الانتاج، وإعادة النظر في عاداتنا الاستهلاكية، والتخلي عن المباهاة في بعض السلوكيات الاجتماعية، والأهم من ذلك تقييم الذات لتكون أكثر ثقة بقدراتنا، وأكثر انتماء ووفاء لبلدنا الذي علمنا خلال هذه الظروف العصيبة أن الخير فيه باق، وأن البركة تحل فيه طال زمن الشدة أم قصر.