العقد الاجتماعي في زمن كورونا

العقد الاجتماعي في زمن كورونا
أخبار البلد -  
أخبار البلد - تتعدد الفلسفات التي تسعى لتعريف العلاقة بين الحاكم والمحكومين، ولعل أشهرها هو مبدأ «العقد الاجتماعي» الذي تعود جذوره إلى ما يسبق بكثير قيام الدولة الحديثة. الفكرة التي تبلورت على يد فلاسفة مثل، هوبز وجون لوك وجدت تقعيدها الفلسفي على يد جان جاك روسو، الذي ألف كتاباً بهذا العنوان، داعياً لقيام نوع من التعاقد بين المواطنين من جهة، وبين المواطنين وحكامهم من جهة أخرى. سيتنازل الشعب وفقاً لهذا التعاقد عن بعض حريته وملكيته الفردية، مقابل أن يقوم الحاكم بمهام إدارة الدولة، وهو الدور الذي يجب أن لا يمنحه أي نوع من التفضيل على بقية المواطنين

العقد الاجتماعي، حسب روسو، ليس زواجاً كاثوليكياً، بل يجب أن تتاح فرصة دائماً لأي من المتعاقدين غير الراضين لنقضه. هذا الاستطراد «الروسوي» كان مهمًا، لأنه بدا أشبه بالتحذير المفتوح لرجال السلطة بما يمنعهم من تجاوز حدود دورهم التعاقدي، الأمر الذي إن حدث فسيقود لأن يقوم المواطنون بدورهم بنقض ما اتفق عليه، عبر التخلي عن واجباتهم تجاه السلطة، ما يعني أن تعود الأمور لما أُطلق عليه «حالة الطبيعة» التي يعيش فيها الأفراد بتوحش وبلا قيود أو نظام

نشر كتاب روسو عام 1762، وبعد أكثر من قرنين من ذلك التاريخ، كانت التجارب الإنسانية تخبر أن تحقيق تلك الفكرة الحالمة ما يزال أمراً بعيد المنال. على سبيل المثال، فإن التجارب السياسية أثبتت أن إجراءات نقض الاتفاق، أو ما يسمى في الأدبيات الحديثة بحجب الثقة، ليست بتلك السهولة التي وصفها روسو بها في تنظيره، كما تثبت النظرة الواقعية أن أغلب الشعوب، تجد نفسها مقابل نخبة سياسية متسلطة، فرضت نفسها على الجميع، ما يجعل تبديلها أو إزاحتها عن مكانها أمراً صعباً مهما فعلت

وجهة النظر التي تقلل من سلبيات النظام الديمقراطي الغربي، مقابل الإيجابيات الكثيرة التي يتمتع بها، ما تزال رائجة

الديمقراطية الغربية الحالية قد تكون ابنة شرعية لفلسفة العقد الاجتماعي، رغم أن كثيراً من المنظرين المعاصرين في أوروبا والولايات المتحدة، ألفوا كتباً ومقالات في نقدها، وفي الجدال حول مدى تمثيلها للشعوب، إلا أنها تظل فردوسية مقارنة مع طرق الوصول إلى الحكم، في كثير من دول العالم الثالث، فيكفي أن تلك الأنظمة ما تزال ملاذاً للملايين، ممن تفرقت بهم السبل، أو لفظتهم أوطانهم. وجهة النظر التي تقلل من سلبيات النظام الديمقراطي الغربي، أو تعتبر أنها لا تذكر مقابل الإيجابيات الكثيرة التي يتمتع بها، ما تزال رائجة. في الوقت ذاته، فإن كتّاباً غربيين كثيرين، لم يترددوا في وصف النظام السياسي، سواء في الولايات المتحدة، أو دول الاتحاد الأوروبي، بالخدعة البراقة، والوسيلة الخادعة، التي توهم المشاركين في العملية السياسية بأن لهم دوراً ولصوتهم فعالية، في حين أن الحقيقة هي أنهم إنما يقتصر دورهم على تزيين الكعكة السياسية، بدون أن يكون لهم نصيب حقيقي فيها. يفسّر هذا المنطق الذي يجد الكثير من الأنصار المؤمنين، بسيطرة رجال الأعمال واللوبيات على المشهد السياسي، لماذا لم تكن التظاهرات الكبيرة التي قامت بعد انتخاب الرئيس الأمريكي تشكل فارقاً، أو تجعل رجال البيت الأبيض يحسون بتأنيب الضمير. حتى بعد تبرئة الرئيس ترامب، فإن الحديث عن حصول خطأ ما إبان تلك الانتخابات، ما يزال متداولاً، وإن لم يكن القصد منه أن الأمر تم بالطريقة المعتادة للتزوير

أما في أوروبا فإن رجل الشارع العادي لم يحس في أي وقت أنه تمت استشارته بشكل جاد، قبل تحويل عملته الوطنية إلى العملة الأوروبية الموحدة. ذلك القرار الذي ربما كان فاعلًا وإيجابياً بالنسبة لرجال الأعمال وللاقتصاد الدولي، لم يكن بأي حال كذلك بالنسبة لذوي الدخل المحدود، الذين شعروا فجأة بأن نقودهم تقلصت ومدخراتهم صارت بلا قيمة. حتى أولئك الذين كانوا متحمسين لأفكار الوحدة السياسية والاقتصادية في وقت ما، ما لبث كثير منهم أن أدرك أنه لم يكن يعي بشكل ناضج معنى أن تكون هناك عملة موحدة وسوق مفتوحة، وإن خياراته إنما بنيت على الدعاية المكثفة حول إيجابيات خيار المشروع الأوروبي. يمكن سرد أمثلة كثيرة على تجاوز رغبات الناس، أو على دفعهم للتصويت بلا وعي، في ما يتعلق بالقرارات السياسية الكبرى، كالحرب أو كاتباع نمط اقتصادي معين أو غيرها

من الكتّاب الذين قدموا إسهامات مهمة في ما يتعلق بنقد النظام السياسي الغربي الأكاديمي الأمريكي تشارلز تيلي (1929- 2008) الذي اشتهر بأفكاره الحادة، لدرجة اعتباره ان الدولة إنما وجدت بالأصل لخدمة الطبقة الحاكمة. رغم وجود كثيرين غيره ممن انتقدوا النظم السياسية والسياسات الغربية والأمريكية، إلا أن تيلي يتميز بأنه كان شاهدًا مهماً، عبر حياته المديدة، على تشكل الدول الغربية الحديثة وصعودها، كما تميز بأن أبحاثه فتحت الطريق أمام تقاطعات مهمة بين مجالات علم الاجتماع، وكل من العلوم السياسية والتاريخية

يمكن الإشارة هنا إلى مقالة تيلي التي نشرها في الثمانينيات تحت عنوان: «صناعة الحرب وبناء الدولة بوصفها جريمة منظمة». بدأ تيلي هذه المقالة التي ركز فيها على التجربة السياسية الأوروبية بعبارة صادمة: «إذا كان جني الإتاوات بالبلطجة يعد أنعم أشكال الجريمة المنظمة، فإن صناعة الحروب وبناء الدول، التي تقوم بالنشاط نفسه متحصنة بميزة الشرعية، يجوز اعتبارهما أهم الأمثلة على الجريمة المنظمة»

اليوم، ومع تأكيد حدوث أعمال قرصنة، برعاية رسمية، بغرض الاستيلاء على مواد طبية لمكافحة جائحة كورونا، يبدو وصف تيلي للحكام بـ»مقاولي القوة الجبرية»، وكذلك تذكيره بالتنسيق الذي كان يتم بين الدول الأوروبية ومجرمي القرصنة شديد المعاصرة، خاصة ونحن نرى كيف حاولت الأنظمة بدرجات متفاوتة توظيف واستغلال الجائحة، بما أخضع الأزمة الإنسانية لكثير من المتاجرة

أما في بلاد الظلام، حيث لا أحد يأخذ منطق العقد الاجتماعي على محمل الجد، وحيث لا يوجد انتخاب حقيقي، أو اختيار أو محاسبة، بل أسماء استولت على السلطة بليل، فإن السلطات لم تكتفِ بالإجبار الصارم على الحجر والإغلاق، بدون أن تفكر في حل مشكلة معاش الناس، أو في مصير الفئات المجبرة على الخروج مثل المرضى، الذين يحتاجون للتردد على المستشفيات، بل مضت أكثر من ذلك لتعمل على سرقة ما وصلها من إعانات، مستغلة عدم قدرة المانحين والمنظمات الدولية على متابعة توزيعها بأنفسهم. هكذا وجدت المواد الطبية التي كان يجب أن توظّف لمكافحة الفيروس طريقها، إما للسوق السوداء الداخلية، أو للتهريب العالمي، في الوقت الذي كان الأطباء وعمال الصحة يفتقرون فيه لأبسط وسائل الحماية

الرأي القائل، إننا ربما نكون بانتظار فضائح كثيرة على الصعيد العالمي، يصعب تجاهله، فمن المتوقع أن تظهر الإحصائيات أن عدد الذين ماتوا بسبب الفشل في الوصول إلى المستشفى، التي امتنع كثير منها عن استقبال المرضى، بحجة التركيز على الجائحة، أو لعدم وجود كوادر صحية، أن تظهر أنهم أكبر عدداً من ضحايا الفيروس الفعليين، ولعلنا نكتشف أيضاً أن أنظمةً تذاكت وتعمدت في لحظة ما إدخال المرض، أو زيادة أعداد المصابين طمعاً في مكاسب مؤقتة. أما ما لا نتمناه، فهو أن يكون اللقاح المنتظر قيد التجربة حالياً على بشر بلا ثمن
 
شريط الأخبار فيديو || المقاومة الإسلامية في العراق تهاجم هدفاً في غور الأردن "الاقتصادي والاجتماعي": موازنة 2025 تتصدر التحديات الاقتصادية لحكومة حسّان "الوطني للمناهج": لا نتعرض لأي ضغوط خارجية أو إملاءات لإدراج أو حذف أي موضوع في مناهجنا الإفراج عن الأسيرين الأردنيين النعيمات والعودات حملة لإنفاذ سيادة القانون في البترا المعايطة يوعز بالتحقيق في الفيديو المتداول لتجاوزات أثناء إلقاء القبض على أحد الاشخاص نائب الملك يشدد على ضرورة الارتقاء بنوعية التعليم العالي ارتفاع سعر البنزين أوكتان (90) بنسبة 4% عالميا "اعتماد التعليم": لن يكون هناك برامج راكدة بالجامعات خلال 2-3 سنوات صالح العرموطي رئيسا لكتلة نواب "العمل الإسلامي" الأمن العام يوضح تفاصيل التعامل مع التجمع الاحتجاجي في البترا مكاتب استقدام الخادمات.. الوزير خالد البكار والخيارات المفتوحة في الامتحان الأول الأردن يعـزي إيـران بضحايا حادث انفجار منجم للفحم في إقليم خراسان من هو (فادي) الذي حملت صواريخ حزب الله اسمه؟ الحبس ل 4 أشخاص في الكرك خططوا لقتل مسؤولين مكافحة المخدرات تلقي القبض على 19 تاجراً ومروجاً للمخدرات اللواء الركن الحنيطي: القوات المسلحة مستعدة لتنفيذ أي مهمة دفاعية لحماية حدود المملكة الأوراق المالية توافق على طلب تسجيل رفع رأس المال لـ شركة "المتحدة للتأمين" إصدار 326 ألف شهادة عدم محكومية إلكترونيا منذ بداية العام الحالي إلغاء الإجتماع غير العادي لشركة الأردن الدولية للتأمين