الجزائر وفرنسا وتركيا: آلام الماضي وأطماع المستقبل

الجزائر وفرنسا وتركيا: آلام الماضي وأطماع المستقبل
أخبار البلد -  


علاقة فرنسا بالجزائر، والجزائر بفرنسا، أشدُّ كثافة وحساسيَّة من أي علاقةٍ بين بلدين. كلٌّ منهما أثَّر عميقاً في الآخر، احتلالاً واستعماراً، وهجرة وتفاعلاً ثقافيّاً واقتصاديّاً. بينهما ماضٍ مُرٌّ وآفاق مستقبل قد يكون واعداً. رضوضٌ في النفس ومحاولات متواصلة للأم الجروح الكثيرة.
مؤخَّراً، قال الرئيس إيمانويل ماكرون: «لا شكَّ في أنَّ حرب الجزائر هي الأكثر مأساويّة. فهي لا تزال ماثلة، وأعتقد أنَّ لها تقريباً وضعاً كوضع المحرقة النازيّة». العبارة التي بدت تجرّوءاً على مُحرّم استحقّت تنديد أحزاب فرنسية، يمينية متطرّفة، وفخورة بالماضي الكولونيالي لبلادها.
ماكرون، رغم مآخذ كثيرة عليه، يسلك طريقاً آخر: يريد أن يغلق الجرح المفتوح. كمرشّح رئاسي في 2017 سمّى استعمار الجزائر «جريمة ضدّ الإنسانيّة». كرئيس في 2018، أقرّ باستخدام بلاده للتعذيب إبّان الحرب الجزائريّة. هذا من المسكوت عنه تقليديّاً.
ماكرون يعرف أنّ تنقية الذاكرة الجزائريّة لفرنسا من شروط تطوّرها الديمقراطي والحداثيّ. يعرف أنّ التجربة المشتركة أثمن وأهمّ من أن تُعالَج بخفّة، وأنّ الماضي لا يزال يثقل على صدر الحاضر.
ففرنسا، التي احتلّت الجزائر في 1830، ثمّ طوّرت احتلالها إلى ضمّ واستعمار استيطاني (مليون مستوطن) مصحوب باستئصال لغوي وثقافيّ، واجهت عدداً من الانتفاضات التي سبقت ثورة 1954. الفرنسيّون يقولون إنّ الحرب كلّفت 400 ألف قتيل. الجزائريّون يسمّونها «ثورة المليون شهيد».
حرب الجزائر أثّرت على نحو عميق في السياسة الفرنسيّة. جمهورية ديغول الخامسة في 1958، كانت بداية الانعطاف التصحيحي الذي انتهى باستقلال 1962، التحوّل الديغولي استجرّ محاولة انقلابيّة لـ«المنظمة المسلحة السرية» ومحاولة لاغتيال ديغول نفسه. المحكمة العسكرية الخاصّة ردّت على أعمال اليمين المتطرّف بأحكام الإعدام رمياً بالرصاص. «الجنرال» مضى، بعد ذاك، يصحّح العلاقة بالعالم العربيّ، فكان تصريحه الشهير بعد حرب 67، واصفاً الإسرائيليّين بأنّهم «شعب نخبوي مُعتدّ بنفسه، ومُحبّ للسيطرة».
حرب الجزائر أثّرت في الحياة الحزبيّة لفرنسا. «الحزب الاشتراكي الموحّد»، بقيادة ميشال روكار، وجد في موضوع الجزائر واحداً من أسباب تميّزه. تظاهرته الشهيرة، التي شارك فيها الحزب الشيوعيّ، مطالع 1962، دعماً لاستقلال الجزائر، باتت شهيرة لسببين: أنّ من تولّى قمعها هو قائد الشرطة موريس بابون، الذي تكشّف لاحقاً أنّه تعاون مع الاحتلال النازي لفرنسا، وأنّ ثمانية من المتظاهرين الذين اختبأوا في «المترو»، اتّقاءً لرصاص الشرطة، ماتوا اختناقاً.
حرب الجزائر كانت موضوعاً لنزاع مديد بين الدبلوماسيتين الفرنسية والأميركيّة، الذي استطال، في ظلّ تحوّل في الأدوار، إبّان الحرب الفيتناميّة. في هذه الغضون، شاركت فرنسا، أساساً بسبب الجزائر، في حرب 1956 على مصر، وتردّت علاقتها بالاتّحاد السوفياتي.
وكان هناك الأثر الثقافي الكبير. فحربا الجزائر وفيتنام أعطتا فكرة «الالتزام» معناها عند مثقّفي فرنسا. الأولى منهما تحديداً صارت «حرب سارتر»، الذي وقّع «بيان الـ121» الشهير، حيث اعترفت النخبة بحقّ الجزائريين في الثورة، كما شارك، مع «حملة الحقائب»، في تهريب المال والمعلومات لثوّار الجزائر، حتّى أن اليمين المتطرّف راح يهتف: «أعدموا سارتر». في المقابل، فالفرنسيّة التي فُرضت على الجزائر في البداية، ما لبثت أن تشكّلت في هويّة ثقافيّة، وإلى حدّ بعيد سياسيّة، لقطاع غير ضيّق من الجزائريّين، خصوصاً منهم النخبة الأمازيغيّة.
الآن، الفرنسيّون ذوو الأصل الجزائريّ، والجزائريّون المهاجرون إلى فرنسا، يعدّون أكثر من ستّة ملايين يتوزّعون على أربعة أجيال. أغلبيتهم الساحقة اندمجت وأعطت فرنسا بعض ألمع رموزها. أقلية منهم تخوض «حرب الهويّة»، وأقلية الأقلية اندرجت في الأعمال الإرهابية التي افتتحتها، أواسط التسعينات، «الجماعة الإسلامية المسلحة». حصل هذا في موازاة الحرب الأهلية المندلعة حينذاك في الجزائر نفسها.
مسائل الهويّة والإسلاموفوبيا والإرهاب يقابلها الرهان على الاندماج من جهة، وعلى المصالح من جهة أخرى. حجم التجارة بين فرنسا والجزائر يفوق الـ8 مليارات يورو سنويّاً، وفرنسا من أكبر المستثمرين في الجزائر، بما يوفّر 40 ألف فرصة عمل مباشرة، و100 ألف فرصة بالتوسّط، في قطاعات النقل والسيارات والغذاء والموادّ الصيدليّة.
هاتان الحساسيّة والأهميّة لعلاقات البلدين لم تردعا الرئيس التركي رجب طيّب إردوغان، عن رشّ الملح على جرح الجزائريين. لقد روى مؤخّراً أنّ نظيره الجزائري عبد المجيد تبّون، أكّد له أنّ فرنسا قتلت أكثر من خمسة ملايين جزائري خلال احتلالها لبلاده.
الرواية، التي نفتها الجزائر، تقول عن إردوغان أكثر ممّا تقوله عن التاريخ. فالطامح بالتمدّد إلى الشمال الأفريقيّ، ومُشغّل المرتزقة السوريّين الذين يُساقون إلى ليبيا، لن يكون أشدّ اكتراثاً لمصالح الجزائر ممّا لمصالح جارته السوريّة. واستخدام البعض للآلام التي عرفها ماضي الآخرين، خدمة لأطماعهم هم في المستقبل، موضة رائجة في الشرق الأوسط. فلنتذكّر قليلاً الاستثمار الإيراني في الألم الفلسطينيّ.
 
شريط الأخبار فيديو || المقاومة الإسلامية في العراق تهاجم هدفاً في غور الأردن "الاقتصادي والاجتماعي": موازنة 2025 تتصدر التحديات الاقتصادية لحكومة حسّان "الوطني للمناهج": لا نتعرض لأي ضغوط خارجية أو إملاءات لإدراج أو حذف أي موضوع في مناهجنا الإفراج عن الأسيرين الأردنيين النعيمات والعودات حملة لإنفاذ سيادة القانون في البترا المعايطة يوعز بالتحقيق في الفيديو المتداول لتجاوزات أثناء إلقاء القبض على أحد الاشخاص نائب الملك يشدد على ضرورة الارتقاء بنوعية التعليم العالي ارتفاع سعر البنزين أوكتان (90) بنسبة 4% عالميا "اعتماد التعليم": لن يكون هناك برامج راكدة بالجامعات خلال 2-3 سنوات صالح العرموطي رئيسا لكتلة نواب "العمل الإسلامي" الأمن العام يوضح تفاصيل التعامل مع التجمع الاحتجاجي في البترا مكاتب استقدام الخادمات.. الوزير خالد البكار والخيارات المفتوحة في الامتحان الأول الأردن يعـزي إيـران بضحايا حادث انفجار منجم للفحم في إقليم خراسان من هو (فادي) الذي حملت صواريخ حزب الله اسمه؟ الحبس ل 4 أشخاص في الكرك خططوا لقتل مسؤولين مكافحة المخدرات تلقي القبض على 19 تاجراً ومروجاً للمخدرات اللواء الركن الحنيطي: القوات المسلحة مستعدة لتنفيذ أي مهمة دفاعية لحماية حدود المملكة الأوراق المالية توافق على طلب تسجيل رفع رأس المال لـ شركة "المتحدة للتأمين" إصدار 326 ألف شهادة عدم محكومية إلكترونيا منذ بداية العام الحالي إلغاء الإجتماع غير العادي لشركة الأردن الدولية للتأمين