كشفت وثيقة لموقع ويكيليكس، نشرت اخيرا، عن سعي حثيث لمن وصفتهم بـ "المحافظين" لترسيخ أنفسهم في مراكز صنع القرار الاقتصادي في الأردن.
ورصدت الوثيقة، التي كتبت من قبل السفارة الاميركية في عام 2002، ما يمكن تسميته بـ"الصراع" بين المحافظين والإصلاحيين، معرّفة الطرف الاول بمقاومي التطبيع ومؤيدي العراق، وهو ما يعني ان الاصلاحيين هم من يخالفون تلك التوجهات، لافتة إلى أن المحافظين (او من يسعون لتسييس الاقتصاد) سيعمدون إلى تبطيء زخم الاصلاحات في المملكة".
وأشارت الوثيقة إلى أن العناصر المناهضة للإصلاح في مجتمع الأعمال الأردني تشجعوا بفعل صعود المعاداة للأمركة، ومشاعر مناهضة العولمة، منذ تزايد التوغل الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية في وقت سابق من هذا العام (2002)".
وأسهبت الوثيقة في الحديث عما اسمته "لعبة النفوذ في غرفة عمان الصناعية"، مشيرة إلى استقالة 10 اعضاء في مجلس إدارة غرفة صناعة عمان من أصل 12 عضوا في أواخر نيسان (أبريل) من عام 2002، وذلك بسبب عدم ثقة أغلبية أعضاء المجلس بقدرة رئيس الغرفة عثمان بدير، على إدارة مصالح الغرفة.
وبينت الوثيقة أن تلك الرواية هي الرسمية، لكن الرواية غير الرسمية، بحسب نص الوثيقة، "فيعتقد بأن هذه الخطوة هي لعبة نفوذ من جانب رجال الأعمال النافذين الذين يبيعون منتجاتهم إلى العراق تحت بروتوكولات النفط والتجارة الثنائية (يقودها رئيس غرفة صناعة عمان السابق خلدون أبو حسان)، من أجل إعادة السيطرة على غرفة صناعة عمان وإعادة تنشيط وتوجيه نشاطاتها السياسية، كما أن العضوين المتبقيين في المجلس هما من المؤيدين للعراق أيضاً، ولديهما روابط مع
أبو حسان ورئيس الوزراء الأسبق وعضو البرلمان أبو الراغب، بالإضافة إلى وزير التجارة السابق واصف عازر (الذين يُنظر إليهم جميعاً على أنهم مؤيدون للتجارة مع العراق)".
ووفق نص الوثيقة "سمعنا من مصادر حكومية أن أحد أسباب الاستقالات تمثل في اعتقاد بعض الأعضاء بأن غرفة صناعة عمان لم تكن تفعل ما يكفي في الدعوة إلى مقاطعة المنتجات الأميركية، ويبقى من غير الواضح حتى هذه اللحظة ما إذا كان المجلس المؤقت الذي عينه وزير التجارة البشير، والذي يضم عدداً من رجال الأعمال ذوي التطلعات المستقبلية، سيتمكن من تقوية موقعه والبقاء في مكانه، أو ما إذا كان أبو حسان سينجح في إعادة السيطرة على غرفة صناعة عمان".
واشارت الوثيقة إلى أن "قانون الغرف الصناعية الجديد يقلق الجماعات المؤيدة للمناطق الصناعية المؤهلة"، مستندة في ذلك إلى حديث رئيس غرفة صناعة إربد ماهر الناصر، أخيرا، أن قانوناً لإصلاح عمليات غرف الأردن الصناعية المحلية الثلاث هو قيد البحث في مجلس الوزراء حالياً. ويخشى الناصر من أن يكون القانون مسعى من جانب غرفة صناعة عمان لدمج جميع الغرف في غرفة واحدة تكون تحت سيطرتها".
وبحسب الوثيقة، "وصف الناصر ذلك بأنه يمكن أن يكون كارثياً، حيث تخضع غرفة صناعة عمان لهيمنة أردنيين من أصل فلسطيني والذين يريدون تسييس الغرف"، حسب قوله. وقال إن "أعضاء غرفة صناعة عمان يريدون من الغرف الأخرى أن تؤيد مقاطعة المنتجات الأميركية، ودعم جهود "مناهضة التطبيع" (أي معارضة القيام بأعمال تجارية مع إسرائيل)، وتقديم المساعدة للقضية الفلسطينية".
وبحسب نص الوثيقة الاميركية، قال الناصر ان تأثير قانون كهذا على قدرة الغرف الصناعية في إربد والزرقاء على متابعة الممارسات التجارية الليبرالية قد يكون بالغاً"، عازية ذلك إلى كونه مصرفياً شرقياً ورئيساً لغرفة صناعة تضم العديد من مصدري المناطق الصناعية المؤهلة كأعضاء (وبالتالي تقوم بأعمال تجارية كثيفة مع إسرائيل).كما اشارت الوثيقة إلى حديث منفصل مع الأمين العام لوزارة الصناعة والتجارة سامر الطويل، الذي قال "ان القانون المقترح لن يصنف الغرف الأخرى تحت سيطرة غرفة صناعة عمان، لكنه سوف يؤسس، بدلاً من ذلك، هيئة إضافية، اتحادا وطنياً للغرف الصناعية، ليكون كمجموعة مظلة. وسوف تحتفظ الغرف الصناعية المحلية بهوياتها المنفصلة. وقال ان الاتحاد سيعمل بطرق مشابهة لاتحاد الغرف التجارية الموجود حالياً"، مشيرة إلى ضرورة ملاحظة أن "هذه الهيئة مسيسة بشكل كبير، إلا أنها غير فعالة إلى حد كبير، وهي في الأساس تجميع هامشي غير فعال لغرف التجارة المحلية غير الفعالة بنفس المقدار".
وقال الطويل، وفق نص الوثيقة، "إن النظام الحالي، الذي يرجع إلى العام 1949، كان في حاجة ماسة للإصلاح من أجل مساعدة الشركات الأردنية على تطوير معاييرها وتسويق نفسها حتى تمتلك القدرة على استغلال الفرص السانحة في إطار اتفاقية التجارة الحرة وغيرها من برامج التجارة الحديثة- بدلا من الاستمرار في الاعتماد على السوق العراقية. غير أنه كان قلقا من أن يتطلب القانون الجديد إجراء انتخابات جديدة للغرف، والتي يمكن أن تضع، ضمن البيئة السياسية الحالية، عناصر مناهضة للتطبيع ومؤيدة العراق في موضع السيطرة. ولذلك، قال أنه سوف يدعم تأخير انتخابات الغرفة في حال تم سنّ القانون الجديد".
وفي تعليق للوثيقة حول المتغيرات الاقليمية على الوضع الاقتصادي في الاردن كتبت الوثيقة ان "التدهور المأساوي للوضع في الضفة الغربية خلال الشهرين الماضيين خلق فرصة لعناصر الحرس القديم من مجتمع الأعمال لإعادة إدخال أجنداتهم في نقاشات السياسة الاقتصادية في المملكة. وهم يأملون بالاستفادة من ازدياد الاستياء الشعبي من علاقات الحكومة الأردنية بإسرائيل والولايات المتحدة، من أجل الدفع بأجندة اقتصادية مسيسة، والتي ترتكز على احتكار عقود الحكومة، والتجارة مع العراق، ومناهضة التطبيع. وبحسب الوثيقة، "تعكس مثل هذه الجهود التي يبذلها الاقتصاديون الرجعيون، توترات مستمرة بين القطاعات المختلفة لمجتمع الأعمال الأردني-بين الحارس القديم، والصناعيين المعتمدين على الدعم، ورجال أعمال الاقتصاد الجديد، وبين مصالح عمل القطاع الخاص "الخالصة" وبين أولئك الذين يريدون ربط القرارات الاقتصادية بالمواقف السياسية المتعلقة بالعراق وفلسطين".
وفي نهاية الوثيقة جاء أنه "وعلى الرغم من الانشغال بالوضع السياسي في المنطقة خلال الشهور الأخيرة، فإن الزخم باتجاه التحرير الاقتصادي في المملكة سوف يستمر".
وتستند الوثيقة في هذا الاستنتاج إلى ما قاله "مسؤولون رفيعون في الحكومة الأردنية"، والذين اكدوا أنهم "يضعون اللمسات الأخيرة على عدد من قوانين الإصلاح الاقتصادي الجديدة، والتي يتوقعون تحصيل موافقة مجلس الوزراء عليها قبل نهاية حزيران (يونيو).
لكن الوثيقة ترى، أنه وفي "المدى القريب، سوف يتم تبطيء زخم الإصلاح إلى المدى الذي يكون فيه الحرس القديم قادراً على الاستفادة من التطورات السياسية لدفع أجندتهم التي تخدم مصالحهم الخاصة".
ويكيليكس: المحافظون يسعون لترسيخ أنفسهم في مراكز صنع القرار الاقتصادي في الأردن
أخبار البلد -