وقف اللبناني ليلة بعد ليلة في الساحات. سبعون ليلة. يترك كل شيء ليقف في ساعات العزّ والحقيقة والأخوّة، بينما السياسيون ماضون في تقديم كل ما لديهم من عار: التجاهل وبثّ التفرقة والكذب الفاجر والبحث عن صفقة أخرى، فيما البلد في حالة حصار اقتصادي مرير ووضع نقدي مهتزّ. لم نكن نعرف هذا الجانب الخيري في اللبناني. كنّا نعتقده بعيداً عن العطف والنخوة والتعاضد، لكننا شاهدنا نساء بورجوازيات يحملن وجبات الطعام إلى المعتصمين المباركين، وشاهدنا بعض أجمل سيّدات لبنان يكنسن الساحات ويغسلنها كل صباح. تعرّفنا إلى لبنان الحقيقي الذي لم نكن نعرفه: الفقير حتى العجز، والنبيل حتى الصفوة.
توقّفت كاميرا الـ«MTV» أمام حفرة تسكن فيها عائلة من طرابلس. أنا واثق من أن المشهد لم يحرّك رمشة عين في العمى السياسي المتجمّد. كم خُيّل لي أن الشاعر الأندلسي كتب هذا البيت في وصف هذا البيت:
أَلَمْ تعلَمِي أَن الثَواءَ هو التوى..... وأَنَ بيوتَ العاجِزينَ قُبورُ
عرضت علينا الشاشات بيوتاً من هذا القبيل، وعرضت علينا مشاهد مآدب، جلس فيها الفقير إلى جانب الغني في ساحة الشهداء، وعرضت علينا بحاراً بشرية متكاتفة، فيما يكرر سمجة السياسيين السؤال عن حقوق الطوائف. السياسيون يبحثون عن حكومة، والناس تبحث عن وطن. غربة كاملة بين رؤيتين وموقفين: فريق يريد أرضاً، وآخر يريد بنكاً. بالدولار!