رغم أن الحادثة وقعت أمام الملأ ووسط تجمع جماهيري كبير، إلا أنها بقيت من أكثر الأحداث غموضا لعقود طويلة، وباتت الحقيقة حبيسة الرواية الرسمية التي أدانت جماعة "الإخوان المسلمين" بوصفها الجهة المحرضة على عملية اغتيال الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
ولم تزد عشرات الشهادات ومئات الكتب وآلاف المقالات التي تحدثت عن الواقعة الأمر إلا غموضا مثيرة علامات الشك والسؤال والتأويل.
في 26 تشرين الأول /أكتوبر عام 1954 في أثناء إلقاء الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وكان حينها رئيسا للوزراء، خطابا في ميدان المنشية بالإسكندرية بمصر أطلقت في تجاهه ثماني رصاصات.
لكن لم تصب أية رصاصة عبدالناصر، وهو ما زاد من حالة التشكيك لمعرفة الجميع ان الرجل الذي اتهم بانتمائه لـ"الإخوان المسلمين" كان ماهرا في الرماية، وبما أن المحاولة فشلت، ولم يصب عبد الناصر بأي أذى، لجأ خصوم النظام إلى القول إن النظام فبرك الحادثة.
منذ تلك اللحظة أصبحت حادثة المنشية، مادة جدال طويل بين مكذب ومصدق، وحاول الإخوان بكل الوسائل إبعاد الشبهات عنهم، بما في ذلك اتهام جمال عبد الناصر بأنه استثمر حادثة المنشية، وأن الواقعة برمتها مدبرة للتخلص من الحركة ثأرا منها لوقوفها في صف الرئيس المصري محمد نجيب في أزمة مارس/آذار من نفس العام التي انتهت بإبعاد نجيب عن موقع الرئاسة وتسلم عبدالناصر رئاسة مصر.
وبحسب تفاصيل الحادثة، فإن جمال عبد الناصر، وبعد أن انتهى إطلاق الرصاص استرد أنفاسه سريعا وأكمل خطابه، ولكن بلغة جديدة مفعمة بالعاطفة والحماسة قائلا: "أيها الشعب، أيها الرجال الأحرار، جمال عبد الناصر من دمكم، ودمي لكم، سأعيش من أجلكم، وسأموت في خدمتكم، سأعيش لأناضل من أجل حريتكم وكرامتكم. أيها الرجال الأحرار، أيها الرجال، حتى لو قتلوني فقد وضعت فيكم العزة، فدعوهم ليقتلوني الآن، فقد غرست في هذه الأمة الحرية والعزة والكرامة، في سبيل مصر وفي سبيل حرية مصر سأحيا، وفي خدمة مصر سأموت".
قبض على المدعو محمود عبد اللطيف وآخرين، ولم يعثر على المسدس الذي أطلقت منه الرصاصات باتجاه عبد الناصر، واختفى المسدس لفترة، وذكرت صحيفة الأهرام في عددها الصادر بتاريخ 2 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1954 أنه بعد مرور أسبوع على الحادثة عثر عامل بناء صعيدي على المسدس الذي حاول به محمود عبد اللطيف اغتيال عبد الناصر بميدان المنشية، فسافر من الإسكندرية إلى القاهرة "سيرا على قدميه" ليسلم المسدس بنفسه إلى عبد الناصر.
واتهم "الإخوان المسلمين" رسميا بارتكاب هذه الحادثة وتمت محاكمة وإعدام عدد منهم، واعترف قبل سنوات المتهم الثالث في القضية خليفة عطوة بأنهم فعلا حاولوا اغتيال عبد الناصر، وبأن حادثة المنشية حقيقية، وأن محاولة الاغتيال جرت بالفعل وتحديدا في الساعة الثامنة إلا خمس دقائق.
لكن لماذا لم تنفذ السلطات المصرية حكم الإعدام بهذا الرجل، كما فعلت مع ستة آخرين؟
يقول عطوة إن جمال عبد الناصر استبدل حكم الإعدام الذي صدر ضد ثلاثة طلاب من المدانين في تلك المحاولة بالسجن 25 عاما، وكان هو من هؤلاء.
تبقى محاولة اغتيال عبدالناصر من الأحداث التي طبعت تاريخ مصر و"الإخوان المسلمين" الذين لا يزالون يرفضون إلصاق هذه الجريمة بالجماعة؛ بل واعتبرها العديد من قياداتهم أنها من "المسرحيات" التي أحكم إخراجها عبدالناصر من أجل توجيه ضربة قاصمة لـ"الإخوان"، خصوصاً في أجواء التصعيد بين الطرفين التي ميزت مرحلة ما بعد نجاح حركة الضباط الأحرار ليلة 23 تموز/ يوليو عام 1952 في خلع الملك فاروق.
وكانت مرحلة عرفت ما قبل تموز /يوليو عام 1952 جوا من التوافق بين "الإخوان المسلمين" وتنظيم الضباط الأحرار الذين كان العديد منهم قد مر على "الإخوان" إما بالانتساب أو التعاون أو التعاطف، لتعلن الجماعة مباركتها نجاح الانقلاب الذي قاده الضباط الأحرار وأطلقوا عليها اسم
"الحركة المباركة".
كان حادث المنشية فرصة لجمال عبد الناصر لقصم ظهر "الإخوان" من خلال عمليات اعتقال واسعة شملت منفذي العملية، بالإضافة إلى المرشد العام لـ"الإخوان المسلمين" حسن الهضيبي. ومن بين من شملهم الاعتقال كل من: محمود عبد اللطيف (منفذ العملية)، هنداوي دوير، محمد فرغلي، يوسف طلعت (رئيس التنظيم الخاص)، المستشار عبدالقادر عودة، صالح أبو رقيق، إبراهيم الطيب، عبدالمنعم عبدالرؤوف، منير الدلة، كمال خليفة، سيد قطب، عمر التلمساني، صالح عشماوي، وغيرهم في ضربة أمنية لم ينهض منها "الإخوان" إلا مع وفاة عبدالناصر عام 1970 وتولي محمد
أنور السادات رئاسة الجمهورية.
وأصدرت محكمة الثورة أحكامها بإعدام ستة أعضاء منهم وهم: محمود عبداللطيف، محمد فرغلي، يوسف طلعت، ابراهيم الطيب، هنداوي دوير، عبدالقادر عودة، بالإضافة إلى المرشد العام حسن الهضيبي الذي خفف عنه الحكم إلى المؤبد.
وبعد عودته إلى القاهرة، أمر عبد الناصر بواحدة من أكبر الحملات السياسية في التاريخ الحديث لمصر، فتم اعتقال الآلاف من المعارضين، ومعظمهم من أعضاء "الإخوان المسلمين" والشيوعيين، وتمت إقالة 140 ضابطا مواليا لنجيب. وأزيح محمد نجيب من رئاسة الجمهورية ووضع تحت الإقامة الجبرية، وبعد تحييد منافسيه، أصبح عبد الناصر زعيم مصر والوطن العربي.
ظلت العلاقة بين عبدالناصر و"الإخوان" تمثل واحدا من أكثر الألغاز إثارة فى تاريخ مصر المعاصر، وطغت الخصومة بين الطرفين رغم ما يجمع عليه المؤرخون من وجود علاقة ارتباط لعبدالناصر بـ"الإخوان" في مرحلة مبكرة من تاريخه السياسي، ولكن أحداً منهم لم يقف طويلاً عند تلك المرحلة في تاريخ العلاقة بين الطرفين ليكشف لنا أسرارها ويحل ألغازها ليساعدنا على الإجابة عن العديد من الأسئلة التي تنعكس حاليا على شكل العلاقة بين
"الإخوان المسلمين" والسلطة.
ولم تزد عشرات الشهادات ومئات الكتب وآلاف المقالات التي تحدثت عن الواقعة الأمر إلا غموضا مثيرة علامات الشك والسؤال والتأويل.
في 26 تشرين الأول /أكتوبر عام 1954 في أثناء إلقاء الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وكان حينها رئيسا للوزراء، خطابا في ميدان المنشية بالإسكندرية بمصر أطلقت في تجاهه ثماني رصاصات.
لكن لم تصب أية رصاصة عبدالناصر، وهو ما زاد من حالة التشكيك لمعرفة الجميع ان الرجل الذي اتهم بانتمائه لـ"الإخوان المسلمين" كان ماهرا في الرماية، وبما أن المحاولة فشلت، ولم يصب عبد الناصر بأي أذى، لجأ خصوم النظام إلى القول إن النظام فبرك الحادثة.
منذ تلك اللحظة أصبحت حادثة المنشية، مادة جدال طويل بين مكذب ومصدق، وحاول الإخوان بكل الوسائل إبعاد الشبهات عنهم، بما في ذلك اتهام جمال عبد الناصر بأنه استثمر حادثة المنشية، وأن الواقعة برمتها مدبرة للتخلص من الحركة ثأرا منها لوقوفها في صف الرئيس المصري محمد نجيب في أزمة مارس/آذار من نفس العام التي انتهت بإبعاد نجيب عن موقع الرئاسة وتسلم عبدالناصر رئاسة مصر.
وبحسب تفاصيل الحادثة، فإن جمال عبد الناصر، وبعد أن انتهى إطلاق الرصاص استرد أنفاسه سريعا وأكمل خطابه، ولكن بلغة جديدة مفعمة بالعاطفة والحماسة قائلا: "أيها الشعب، أيها الرجال الأحرار، جمال عبد الناصر من دمكم، ودمي لكم، سأعيش من أجلكم، وسأموت في خدمتكم، سأعيش لأناضل من أجل حريتكم وكرامتكم. أيها الرجال الأحرار، أيها الرجال، حتى لو قتلوني فقد وضعت فيكم العزة، فدعوهم ليقتلوني الآن، فقد غرست في هذه الأمة الحرية والعزة والكرامة، في سبيل مصر وفي سبيل حرية مصر سأحيا، وفي خدمة مصر سأموت".
قبض على المدعو محمود عبد اللطيف وآخرين، ولم يعثر على المسدس الذي أطلقت منه الرصاصات باتجاه عبد الناصر، واختفى المسدس لفترة، وذكرت صحيفة الأهرام في عددها الصادر بتاريخ 2 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1954 أنه بعد مرور أسبوع على الحادثة عثر عامل بناء صعيدي على المسدس الذي حاول به محمود عبد اللطيف اغتيال عبد الناصر بميدان المنشية، فسافر من الإسكندرية إلى القاهرة "سيرا على قدميه" ليسلم المسدس بنفسه إلى عبد الناصر.
واتهم "الإخوان المسلمين" رسميا بارتكاب هذه الحادثة وتمت محاكمة وإعدام عدد منهم، واعترف قبل سنوات المتهم الثالث في القضية خليفة عطوة بأنهم فعلا حاولوا اغتيال عبد الناصر، وبأن حادثة المنشية حقيقية، وأن محاولة الاغتيال جرت بالفعل وتحديدا في الساعة الثامنة إلا خمس دقائق.
لكن لماذا لم تنفذ السلطات المصرية حكم الإعدام بهذا الرجل، كما فعلت مع ستة آخرين؟
يقول عطوة إن جمال عبد الناصر استبدل حكم الإعدام الذي صدر ضد ثلاثة طلاب من المدانين في تلك المحاولة بالسجن 25 عاما، وكان هو من هؤلاء.
تبقى محاولة اغتيال عبدالناصر من الأحداث التي طبعت تاريخ مصر و"الإخوان المسلمين" الذين لا يزالون يرفضون إلصاق هذه الجريمة بالجماعة؛ بل واعتبرها العديد من قياداتهم أنها من "المسرحيات" التي أحكم إخراجها عبدالناصر من أجل توجيه ضربة قاصمة لـ"الإخوان"، خصوصاً في أجواء التصعيد بين الطرفين التي ميزت مرحلة ما بعد نجاح حركة الضباط الأحرار ليلة 23 تموز/ يوليو عام 1952 في خلع الملك فاروق.
وكانت مرحلة عرفت ما قبل تموز /يوليو عام 1952 جوا من التوافق بين "الإخوان المسلمين" وتنظيم الضباط الأحرار الذين كان العديد منهم قد مر على "الإخوان" إما بالانتساب أو التعاون أو التعاطف، لتعلن الجماعة مباركتها نجاح الانقلاب الذي قاده الضباط الأحرار وأطلقوا عليها اسم
"الحركة المباركة".
كان حادث المنشية فرصة لجمال عبد الناصر لقصم ظهر "الإخوان" من خلال عمليات اعتقال واسعة شملت منفذي العملية، بالإضافة إلى المرشد العام لـ"الإخوان المسلمين" حسن الهضيبي. ومن بين من شملهم الاعتقال كل من: محمود عبد اللطيف (منفذ العملية)، هنداوي دوير، محمد فرغلي، يوسف طلعت (رئيس التنظيم الخاص)، المستشار عبدالقادر عودة، صالح أبو رقيق، إبراهيم الطيب، عبدالمنعم عبدالرؤوف، منير الدلة، كمال خليفة، سيد قطب، عمر التلمساني، صالح عشماوي، وغيرهم في ضربة أمنية لم ينهض منها "الإخوان" إلا مع وفاة عبدالناصر عام 1970 وتولي محمد
أنور السادات رئاسة الجمهورية.
وأصدرت محكمة الثورة أحكامها بإعدام ستة أعضاء منهم وهم: محمود عبداللطيف، محمد فرغلي، يوسف طلعت، ابراهيم الطيب، هنداوي دوير، عبدالقادر عودة، بالإضافة إلى المرشد العام حسن الهضيبي الذي خفف عنه الحكم إلى المؤبد.
وبعد عودته إلى القاهرة، أمر عبد الناصر بواحدة من أكبر الحملات السياسية في التاريخ الحديث لمصر، فتم اعتقال الآلاف من المعارضين، ومعظمهم من أعضاء "الإخوان المسلمين" والشيوعيين، وتمت إقالة 140 ضابطا مواليا لنجيب. وأزيح محمد نجيب من رئاسة الجمهورية ووضع تحت الإقامة الجبرية، وبعد تحييد منافسيه، أصبح عبد الناصر زعيم مصر والوطن العربي.
ظلت العلاقة بين عبدالناصر و"الإخوان" تمثل واحدا من أكثر الألغاز إثارة فى تاريخ مصر المعاصر، وطغت الخصومة بين الطرفين رغم ما يجمع عليه المؤرخون من وجود علاقة ارتباط لعبدالناصر بـ"الإخوان" في مرحلة مبكرة من تاريخه السياسي، ولكن أحداً منهم لم يقف طويلاً عند تلك المرحلة في تاريخ العلاقة بين الطرفين ليكشف لنا أسرارها ويحل ألغازها ليساعدنا على الإجابة عن العديد من الأسئلة التي تنعكس حاليا على شكل العلاقة بين
"الإخوان المسلمين" والسلطة.