لا أحد يدري ما إذا كان سيف الإسلام القذافي سيكون قادرا على الحفاظ على تلك العنجهية التي أبداها وهو يتحدث أمس الأول إلى الصحفيين في باب العزيزية عندما يصبح في قبضة العدالة الدولية. نعم بإمكانه الآن أن يقول ويكرر الــ'طز' الشهيرة في الأدبيات السياسية الليبية الهزيلة، لكن من الصعب أن يكررها في لاهاي بعد أن تصبح نافذة مذكرة الاعتقال الدولية في حقه وحق والده وجهاز استخباراته. قد يكون من المناسب لمترجمي محكمة الجنايات الدولية البحث من الآن عن ترجمة دقيقة لهذه الكلمة المحببة لقلب أبيه من قبله، غير أنه من الأرجح أنه لن يكون بتلك الجرأة التي تجعله يكررها وهو يمثل أمامها متهما بجرائم إنسانية ضد أبناء شعبه.
ليس مهما أن تبدي هذا التحدي وأنت حر طليق، الأهم أن تحافظ عليه وأنت رهن الاعتقال وهو ما ينطبق كذلك، بالمناسبة لا غير، على الرئيس السوداني عمر البشير عندما رأى أن لا مكان لمذكرة الاعتقال الصادرة بحقه بخصوص الجرائم المتهم بها في إقليم دارفور سوى أن تكون مداسة 'تحت قدميه'. لم يصدر عن متهمين سابقين لمحكمة الجنايات الدولية تصريحات عنترية كتلك التي يطلقها قومنا ومع ذلك جاؤوا صاغرين للمثول أمام العدالة الدولية قبل المثول أمام العدالة الإلهية يوم لا ينفع مال ولا بنون، وكذلك سيكونون . وعلى ذكر البنين فإن عددا من الرؤساء العرب لم يزدد كره الناس لهم إلا بسبب ما أتاه أبناؤهم سواء من بطش سياسي أو فساد والأرجح من كليهما.
الرئيس العراقي الراحل صدام حسين أضرت به ممارسات ابنيه عدي وقصي ربما أكثر مما أضر به شيء آخر وكانا، وخاصة الأول، بمثابة يده التي تؤلمه والتي يطيب لكثيرين الإمساك به منها رغم أنه حاول مرارا الحد من رعونته لكن بلا جدوى. مات الإثنان بعد معركة باسلة رفضا فيها الاستسلام لجنود أمريكيين بعد سقوط نظام أبيهما في نيسان/أبريل 2003 وهي شجاعة ليست مضمونة بالضرورة مع أبناء الرؤساء الحاليين. القذافي ابتلاه ربه بأكثر من اثنين ولكل منهم صرعاته الغريبة لكن سيف هو أفضل من ورث لوثة التصريحات النارية التي لن تورث إلا الندامة. 'طز' هذه ظلت لسنوات الكلمة المفضلة لأبيه مع واشنطن والغرب عموما حتى انتهي به الحال مهادنا لهما وحريصا على استرضائهما بكل الوسائل وخاصة العقود النفطية والتجارية. ولولا حماقة التصدي الوحشي للمحتجين الليبيين لما وفر لقوات الحلف الأطلسي فرصة القدوم إلى ليبيا ولما كان لدى واشنطن أو غيرها من مانع أصلا في أن يظل القذافي متحكما في رقاب شعبــه لأربعين عاما إضافية.
حسني مبارك لم يبدأ خط حكمه في الانحدار بشكل صارخ إلا عندما أرخى الحبل لابنه الحالم بوراثة الحكم والبلد. حتى أولئك المؤيدون للرئيس المصري المخلوع لا يجدون بدا اليوم من الاعتراف بأن نجلي الرئيس، علاء وجمال، هما من حفرا عمليا قبر والديهما. زين العابدين بن علي ظل طوال عمره يمنــّـي النفس بابن ذكر خاصة عندما صارت مهمته المرجوة وراثة الجمل بما حمل، لكن هذا الابن خذل والده فلم يصل إلا متأخرا جدا. حاولت أمه أن تكون وصية على العرش حتى تحين الساعة فجاءت ساعتهم جميعا بغتة وهم غافلون . الرئيس علي عبد الله صالح مصيبته في ابنه لا تقل عن مصيبة البلد في كليهما. لم يفلح حتى في ترقيع صورة سيئة سابقة فاستشرس في قتل الناس وقصف مدنهم بعد مغادرة والده البلاد للعلاج فبات اليمنيون جميعا يرون خلاص البلد في الخلاص من كليهما.
من لم تكن مصيبته في ابنه كانت له في أخيه أو زوجته وهناك من جمع المجد من أطرافه فالتقى عليه الأبناء والزوجة والإخوة والتقى هؤلاء جميعا دفعة واحدة، مع كبيرهم الذي علمهم السحر، على الشعب المسكين... لكن إلى حين.
'طز في الجنــائية الدولية!!'
أخبار البلد -