الدفع المسبق لرواتب الموظفين بمناسبة العيد ظاهرة غير حميـدة ننفرد بها، ولها دلالات سـلبية بعضها ظاهر وبعضها الآخر ضمني.
الظاهر أن العملية تسـبب إرباكاً مالياً للموظف وعائلته، فهو يصرف مخصصات الشهر القادم قبل أن يبدأ، وإذا كان قـد فرح وشـكر الحكومة على الدفع المسبق يوما، فسيظل ثلاثين يوما وهو يلومها، خاصة إذا كان الوضع قد اضطره إلى الاقتراض لسـد العجز على طريقة وزارة المالية!.
أما المعنـى الضمني فهـو أن الموظف يعيش يوماً بيوم وشـهراً بشهر، بحيث يجوع هو وعائلته فيما إذا اسـتغني عن خدماته في أية لحظة، فأين دور المدخرات التي يمكن أن يتكـئ عليها في الحالات الطارئة مثل فقـدان الوظيفة أو نفقـة طارئة غير قابلة للتأجيل.
ينشـأ عن هذا الواقع أن الموظف يتوقع أن يعيش بعد التقاعد من راتبه التقاعدي، سواء كان من الحكومة أو الضمان الاجتماعي، مع أن راتب التقاعد ليس أكثر من مساعدة جزئية لا تكفي وحدها. يكفـي القول بأن راتبا تقاعديا من الضمان الاجتماعي لم يزد عن 300 دينار بعد كل الزيادات التي تكرمت بها المؤسسـة على متقاعديها، وهو مبلغ لا يسـدد مصروف السـيارة أو فاتورة الكهرباء والمياه.
السؤال أين المدخرات بشكل ودائع أو عقارات أو أسـهم التي تدر دخلاً بشكل فوائـد أو إيجارات أو أرباح تدعم دخل الأسـرة بعد التقاعد.
نفهم أن رواتب العاملين محدودة، ولكن العائلة محدودة الدخل لها موازنة تلتزم بها، ويجب أن يكون الادخار أحد عناصرها ولو بنسبة 5% من الراتب. هـذا الادخار يجب اعتباره مسـألة موت أو حياة، فهو الاحتياطي الذي يمكن اللجوء إليـه في حالات الطوارئ مثل التعطل مؤقتاً عن العمل أو التقاعـد أو المرض. أفقر العائلات تستطيع أن تدخر، وليس من قبيل الصدفة أن شركات البورصات الوهمية حصدت مبالغ طائلـة وازدهرت في مناطق الفقـر!.
الأعياد لا تأتي بشـكل مفاجئ بل في مواعيد معروفة سـلفاً ويجب الاستعداد لها. والدفع المسبق للرواتب لا يخـدم مصلحة الموظف، ويؤدي إلى إرباكٍ ماليٍ، ويعني أن الحكومة لا تتوقع من موظفيها القـدرة على شـراء حاجات العيد إلا بالسحب على المسـتقبل.