اعود الى "العرب اليوم" وهي عودة الى الدار, وهذه المرة من موقع الادارة محتفظاً بمهنتي الاساسية, الكتابة, بما لا يسمح لي الابتعاد عن الساحة الاعلامية.
اعود وفي النفس توق دائم الى صحافة اردنية لا حصر ولا حصار على حريتها سوى ما تفرضه (قوانين حرية الاعلام) المتداولة في المجتمع الانساني حيث تُحترم حرية التعبير والتفكير وحق الافراد بعدم المس بكرامتهم بقدح او ذم. واتوق الى صحافة حرة عقلانية خالية من الإسفاف بعيدة عن الهبوط والتدني تتحلى بقول الحقيقة دائماً.
اعود من صقيع الحسابات السياسية الرسمية الى حضن الصحافة الدافىء في "العرب اليوم" بما تحمله من تراث قوي في حرية الرأي وحيوية الكلمة, والجرأة في اثارة القضايا التي تحتل الآن مكانة مهمة في اجندة الرأي العام. انه تراث لا يقاس بعدد السنوات الـ 14 من عمر الصحيفة انما بالتحولات التاريخية التي شهدتها على المستوى الوطني والعربي.
اردنيون وعرب نعيش زمن اكتشاف هويتنا كمواطنين احرار في ظل مناخات الربيع العربي. حيث تندفع القيم الانسانية من منابعها الدفينة في القلوب والعقول التي تلهج بالحرية والكرامة كنهج حياة لا مساومة عليه . وهنا للاعلام دور, وللكلمة الحرة الموضوعية والصادقة الدور الأهم في رسم معالم الطريق لأمة تسعى تحت شعارات (السلمية) الى استجلاء الآفاق المنيرة لمستقبلها بعد ان كانت فقدت الأمل بتحررها من كوابيس القهر والاستبداد.
لقد طرأت تعديلات واسعة وجذرية على وعي المواطن العربي فلم تعد خطابات وشعارات عهود الاستعباد وانتهاك الحريات الاساسية للشعوب مقبولة في زمن الاحلام الربيعية التي تحولت الى صناعة يومية تجيدها الاجيال الشابة التي تكتشف ذاتها.. لقد بارت وفسدت بضاعة الماضي التي كان يتاجر بها اعلاميون وسياسيون لتزييف وعي الامة العام. بضاعة لم تجلب غير التعاسة للشعوب, وخراب الاوطان, وقد اضاعت كل ما تغنت به الانظمة من فصيلة الامن والاستقرار.
عودتي للصحافة تقترن بحدث اعلامي. هو انتقال ملكية "العرب اليوم" الى رجل الاعمال الياس جريسات. وهي مناسبة للحديث عن ما هو واجب علينا جميعاً كأسرة للصحيفة تجاه الدكتور رجائي المعشر الذي رعاها بجهده واحيانا بقلمه وبادارته الشجاعة في اصعب الأوقات وعلى مدى 11 عاما. لقد اضاف رجائي المعشر صفحات مهمة الى تاريخ الصحافة الاردنية بتقديمه النموذج الذي يُستلهم في الحرية الاعلامية. عندما دشن بالقول والعمل والموقف مبدأ الفصل بين رأس المال وبين هيئة التحرير في ادارة صحيفة يومية.
واذا كان هناك من سجل سيكتب يوماً عن رواد حرية الصحافة الاردنية فستكون للمعشر مكانته اللائقة في هذا السجل. لقد قدّم أمثولة للعلاقة بين رأس المال الوطني وبين الصحافة فلم يتراجع عنها او يتردد في الدفاع لحمايتها عند تلبد الاجواء وازدهار الدسائس وسيبقى ابو صالح قريبا من صحيفة "العرب اليوم" ومن كادرها الصحافي والاداري الذي يكن له التقدير والاحترام.
وما يطمئن في استمرار نهجه ان انتقال ملكية الصحيفة الى المالك الجديد يقترن بالالتزام منه بطابع العلاقة القائمة على الفصل بين رأس المال وبين التحرير كما كان الامر في عهد الدكتور رجائي. وعهد آخر من الياس جريسات بتطوير قدرات "العرب اليوم" الصحافية والتسويقية وهو امر احرص على ذكره لأبعث برسائل اطمئنان الى جميع قراء ومحبي هذه الصحيفة الذين عبروا عن مخاوفهم ومشاعرهم الصادقة تجاه مستقبلها.
بروح جديدة وعزائم متجددة, وادارة واعدة تنطلق "العرب اليوم" الى مرحلة اخرى وسط العواصف العامة التي تعم العالم العربي.. مع الالتزام للقراء بالتمسك بالمهنية, والاخلاص للحقيقة ونشر المعلومة الصحيحة والرأي الصادق الذي يكرس حق الاختلاف.
عودة الى الدار
أخبار البلد -