بعد انفراط عقد دول الصمود استمرت بعض الدول الشقيقة الغنية تقديم المساعدات والقروض ولكن بشكل
متقطّع وشحيح ( بالقطّارة ) حتى ان هذه المساعدات انقطعت في فترة زمنية محددة ، واعني بداية التسعينات
، كي يظل الواقع المالي الأردني تحت السيطرة ولا يقوى اقتصاده ، أو يتحول الى اقتصاد انتاجي ، وبالتالي يظل
بحاجة الى هذه الهبات والقروض ، كي يبقى قراره السياسي رهينة واقعه الأقتصادي.
المشهد الأردني الراهن ، رغم الفزعة العربية ، يؤكد أن الأردن تعرض لحصار اقتصادي ، وهو الحصار الذي يتكرر
في كل مرة تهب على المنطقة رياح سياسية تحمل مشروعا مشبوها ، أي أن الأطراف المعنية تمارس ضغوطها
السياسية عبر الأزمة الأقتصادية. لذلك ارى اننا نحتاج الى اكثر من برنامج اصلاحي محدود ، نحن بحاجة الى تغيير
كامل في النهج ، والتوجه الى الأعتماد على النفس باقامة مشروعات انتاجية على حساب الأنفاق على مشروعات
يمكن تاجيلها ، لأننا دولة محدودة الموارد تعيش بمزاج دولة نفطية ، ولتحقيق ذلك يجب دراسة التجربة
التايوانية.
عندما زرت تايوان قبل اعوام قليلة علمت بان تايوان كانت تعتمد على المساعدات الأميركية ، ولكن حكوماتها
المتعاقبة كانت تنفق جزءا من اموال المساعدات على البنية التحتية والجزء الاخر على تطوير الزراعة واقامة
مشروعات صناعية انتاجية ، وتشجيع الأستثمار ودعم التصدير ، الى ان استغنت عن المساعدات الأميركية في
منتصف الستينات ، واصبح لديها فائض مالي بلغ حوالي 400 مليار دولار.
في النهاية اقول ان الأعتماد على النفس مطلوب اليوم قبل الغد ، حتى لو كان على حساب الأستهلاك
والرفاهية التي تشبه « الورم « الأجتماعي ، لذلك ارى أن الأمر يتطلب البدء بالأصلاحات فورا ، وبعدالة وشفافية
عالية الجودة ، حسب وعد الدكتور الرزاز ، ولكن ليس على حساب كرامة وقوت الطبقة الوسطى والفقيرة.
حكومة الرزاز.. وحركة التصحيح المطلوبة!!
أخبار البلد - عطلة العيد جاءت في وقتها بالنسبة للحكومة وللمعارضة ، فاعطت الجميع
مساحة زمنية كافية للتفكير بهدوء وعقلانية بعيدا عن الغضب باعتباره الد
اعداء العقل. وبالتالي هي فرصة للشروع بحوار وطني يتم عبره التلاقي في
منتصف الطريق ، من أجل التوصل الى حلول اصلاحية تدريجية معقولة
ومقبولة.
الحقيقة أن المسيرات الأحتجاجية الغاضبة التي حدثت مؤخرا على الدوار الرابع
أعطت ثمارها واولها رحيل الحكومة السابقة ، ولكن الحكومة الجديدة جاءت
على غير ما توقع الناس ، أي انها اقرب الى التعديل من التغيير ، ومخيبة لآمال
البعض ، لكثرة الوجوه الآتية من الحكومة السابقة ، ولكن بوجود الدكتور عمر الرزاز على رأس هذه الحكومة
نستطيع ان نصفها بانها « مهذبة مؤدبة اخلاقها عالية «.
لم يستمتع رئيس الحكومة بعطلة العيد ، لأنه انهمك وانشغل باعداد برنامجه الأصلاحي الذي اعلن عناوينه
وخطوطه العريضة في لقاء سريع مع وسائل الأعلام في أول يوم دوام بعد العطلة ، حيث أكد انه يقوم منذ
اللحظة الأولى بحركة تصحيحية ، لمواجهة كل المشكلات عبر تغيير في النهج سيتحقق حتما وحكما ، حسب
وعده.
لا اشك بأن الدكتور الرزاز سيعمل بنزاهة وشفافية عالية ، وأن حكومته جادة في الأصلاح الأداري والأقتصادي
والسياسي والأجتماعي ومحاربة الفقر والبطالة والفساد ، والشروع بخطوة سريعة على طريق معالجة الخلل
الأقتصادي والمالي ، ولكن التخفيض في النفقات هو جزء من الحل الكلي الذي يحتاج الى زيادة الأنتاج والتصدير،
كما ان المسألة بشموليتها صعبة معقدة متشابكة محليا واقليميا ، وتحتاج الى مزيد من الوقت.
عند الحديث عن المشكلات الأقتصادية والسياسية المزمنة المتراكمة التي نعاني منها ، يجب أن لا نسمح للأزمة
الأقتصادية أن تحجب الضوء عن المشهد الأردني الشامل. ضمن اطار هذا المشهد نرى أن موقع الأردن الجغرافي
– السياسي يفرض شروطه على الواقع ، ففي العقود السابقة عندما كان الأردن ضمن دول الطوق أو جبهة
الصمود والتصدي كانت الدول العربية تدفع مخصصات للأردن تساعده على حل مشكلاته الأقتصادية الأجتماعية
لأن موارده شحيحة.