ويقدّر المؤرخون أن 75 في المئة من الأرمن المجبرين على السير في هذه المسيرات ماتوا قبل أن يصلوا إلى بادية الشام. وأورد هنري مورغنتاو، السفير الأميركي إلى السلطنة في 1913-1916، في مذكراته «قتل أمة»، شهادته عن القتل والتجويع والإذلال وانتهاك الأعراض الذي تعرضت له قوافل الأرمن تحت سمع وبصر الحكام العثمانيين، على طول الطريق حتى آخر مرحلة له في دير الزور في سورية. وبالإضافة إلى توافر عاملي القتل الجماعي للأرمن وتعريضهم لظروف غير إنسانية أثناء هجرتهم قسرياً، ما يؤكد أن مذابح الأرمن كانت تطهيراً عرقياً، يشير كثير من المؤرخين إلى أن هذه المذابح تمت بطريقة متعمدة ومنهجية على يد الدولة العثمانية خلال وبعد الحرب العالمية الأولى. ومن أبرز الدراسات التاريخية التي تؤكد ذلك ما جاء في كتاب للمؤرخ التركي تانر أكتشم، نشره في مطلع 2018 تحت عنوان «أوامر القتل: برقيات طلعت باشا والإبادة الجماعية للأرمن». يوُثق الكتاب النسخة الأصلية لأوامر القتل التي وقّعها وزير الداخلية العثماني آنذاك طلعت باشا وكذلك برقية أصلية، ولكنها مشفرة، أرسلت في 1915 من مدينة أرزورم التركية، حيث أرسلها مسؤول رفيع المستوى فى الحكومة العثمانية، بيهادين شاكر، إلى زميل له في ميدان الحرب، يطلب فيها تفاصيل عن عمليات تهجير وقتل الأرمن في منطقة شرق الأناضول. وبهذه الطريقة يمثل الكتاب دليلاً آخر على تورط تركيا في القتل الممنهج للأرمن في أول عملية إبادة جماعية في القرن العشرين والتي طالما حاولت الحكومات التركية على مدى القرن الماضى انكارها.
وبالنسبة إلى الموقف التركي الرسمي حديثاً، فقد عبَر عنه رئيس الوزراء أحمد دواود أوغلو في 2013 واصفاً حوادث التهجير القسري بأنها «عمل غير إنساني»، لافتاً إلى مسؤولية حركة «الاتحاد والترقي» عن تنفيذها، ولكنه أشار أيضاً إلى «المعاناة» التي عاشها «الأتراك المسلمون»، معرباً عن استعداده لمشاطرة الآلام من دون التطرق إلى وصف ما حدث للأرمن بأنه إبادة.
وعلى الجانب الآخر، يستمر تصاعد الضغط الدولي على تركيا والذي كان آخره تصريح البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، في 2015 بأن مذابح الأرمن هي إبادة جماعية، وانضمام هولندا في 2018 إلى قائمة الدول الأوروبية التي اعترفت بالإبادة، وتصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 2017 بأن مذابح الأرمن هي واحدة من أفظع الجرائم الإنساسية في القرن العشرين. فهل مع حلول الذكرى الـ103 للمذابح الأرمنية يعترف الأتراك بأن أجدادهم أبادوا عن سابق إصرار مئات الآلاف وربما الملايين من الأرمن في سبيل تتريك الأناضول وحماية أركان الإمبراطورية المتداعية آنذاك؟
* كاتبة مصرية