اخبار البلد: حسن صفيره
لا احد قد يُحيط بالأسوء القادم كما قد يفعله الاردنيون ، وقد بلغ السيل مداه في كل بيت وشارع ومحافظة !
فالمتتبع لمضامين ما تتناوله الصالونات الشعبية في الشارع الاردني يخرج بحصيلة ان الشعب واعٍ لتداعيات السياسات الحكومية واثارها على الشريحة الأوسع منهم، الشعب يدرك تماما ان "التخبط" الحكومي وتنفيذ سياساته التقشفية لمعالجة تدهور الاقتصاد جاء على حسابه الشخصي البحت، وان لا احد غيره سيدفع ثمن هذا التخبط وسيتحمل المسؤولية وحده رغم ان لا علاقة له بمسببات سياسة هذه الرفوعات التي لا تخفى على احد ابرزها تغول الفساد الذي انتج بما يعرف بسياسة "الجباية" التي استسهلتها حكومات الدولة عبر اكثر من ربع قرن على وجه التحديد.
لن نتحدث عن "كارثة" قفزات غلاء الاسعار والرفوعات التي طالتها عبر اكثر من حكومة سابقة وحتى الحكومتين الاخيرتين عبد الله النسور وهاني الملقي، ضاربة عرض الحائط بما قد تؤول اليه الأوضاع حال رفض الشارع سياساتها وأبدى احتجاجه الفعلي.
ففي الوقت الذي لا زال مرجل الشارع الاردني يمر بمرحلة الغليان نتيجة سياسات حكومية أودت بالوضع الاقتصادي للاردنيين الى ما دون خط الفقر للغالبية العظمى منه بفعل ارث حكومات فشلت في رفع مستوى النمو الاقتصادي منذ اكثر من عقدين، لا تزال حكوماتنا الرشيدة المتعاقبة تُصر على رتق ثقب المديونية على حساب الشعب المسحوق،وتخرج علينا بضرائب فلكية صادمة ودون ادنى اعتبار لعواقب احتقان الشارع الى ما يحمد عقباه .
لا احد يختلف على معادلة عقلانية الشارع، فقد امتاز الاردن ومن منظور داخلي وخارجي انه يملك شعبا اعقل من حكوماته، بل واكثر منها تمسكا بامن واستقرار البلاد، خلافا للسياسات الحكومية التي تنزل على رأسه بين الرفع والاخر، كان اخرها الإعلان رسميا ولأول مرة في تأريخ الأردن عن إغلاق ملف برنامج دعم السلع ومنها الاساسية بما فيها مادة شريان حياة المواطن الخبز، تحت شعار جديد غير مسبوق يقول بالاعتماد على الذات، متناسية الحكومة بأنه لم يتبقى هناك ما من شأنه ان يستند اليه الاردنيون في الاعتماد على الذات وقد حصدت من تحت ارجلهم بساط الاخضر واليابس.
وفي معادلة الشعب و السلطة، تناست الحكومة ان التصعيد الضريبي والتسعيري قد يُصيب الواقع الأمني بمقتل، وقد لوحظت في الآونة الاخيرة عمليات السلب المسلح التي طالت قطاعات بنكية وتجارية لم يشهدها الاردن مسبقا، والتي ما كان لها ان تحدث لو ان الشارع يعيش استقرارا اقتصاديا ولو نسبيياً.
وتخرج اصوات عقلاء الشارع الأردني باتجاهين، الأول يقول بضرورة ان تلتفت الحكومة الى تداعيات قراراتها الرفوعية ضرائب وأسعار، والتي أودت الى ركود الأسواق وزيادة طين التدهور الاقتصادي بللاً، والاتجاه الثاني يقول بضرورة الالتفات الى عدم زيادة الضغط على الطبقة الوسطى والشرائح الفقيرة التي لامست خط الفقر، فتلك الطبقات هي محور الشارع ورهانه للاستقرار الامني الذي حملته حكومات متعاقبة شعارا لها، دون ان يكون لها دورا فيه، فالشارع هو من يصبر ويرابط ويتكيف مع السياسات الحكومية الاقتصادية الكارثية، والشعب هو ذاته من يقف موقف الحريص على امن بلده واستقراره، وكان الأجدى بهذه الحكومة على وجه التحديد ان تُبدي حرصا اكثر خشية ان يسقط الرهان والحصان معا !
العقلاء انفسهم يؤكدون على انه وازاء الانحدار والتدهور الحكومي في اداء الحكومة الاقتصادي بما وصل اليه الحال الراهن، فقد اصبح دور الشعب اكثر احتياجا والحاحا، نعم لقد وصل الشارع الاردني حقيقة الى حاجته الفعلية لإبنائه الاردنيين، ابناؤه الذين يعوون حجم الكارثة الاقتصادية بما يكتنفها من فساد لا تتم معالجته الا عبر جيوبهم، ابناؤه الذين يُدركون ان نهج الجباية يستهدف امنهم لا جيوبهم، ابناؤه الذين باتوا على يقين بأن هناك من يريد لهذا البلد ان يدخل ربيعا مستقلاً قد يُطيح بالبلاد والعباد - لا قدر الله - ان لم يقف شعبه وقفة رجل واحد لحمايته والذود عنه طالما صانعي القرار الاقتصادي المدمر ماضٍ في تدهوره وخروجه عن سكة أمن البلاد.
الاردن الذي يقف وحيدا بموقعه الجغرافي في اقليم ملتهب، وفي مجابهة السياسات الخارجية لمحاور دول عربية يفترض انها "شقيقة" تحاول ان تنفذ مشروعاتها السياسية بالمنطقة على حساب الاردن والاردنيين، فقد استعر آوار المجابهة بضغوطات طفت على الساحة السياسية بقيادة القوى الاستعمارية الصهيوامريكية مرورا بدول الجوار ممن تحمل مشاريع المد الشيعي ولا انتهاءً بدول خليجية وجدت في الاردن معبرا لتمرير سياساتها ومحاولتها استعادة مجدها السياسي على حساب الدولة الأردنية، وقد استخدمت كل هذه الدول سياسات كان من شأنها وقف اي دعم مالي للأردن لمحاولة الضغط عليه وافقاره، متجاهلة دوره الانساني الكبير في استضافة اللجوء السوري الذي انهك اقتصادنا واستتنزف طاقات اجهزتنا الأمنية، هذا الدور الانساني الذي تخلت عنه هذه الدول، وبدلا من ان تكافأ الاردن زادت في ضغوطاتها في محاولة منها لان تطال امنه واستقراره.
واقع الحال هذا لا يحتاج اليوم اكثر من وقوف الاردنيين الى جانب وطنهم وقيادتهم، ولا فحماية الوطن ان لم تكن نابعة من داخله، فلن تستطيع كل قوى العالم ان تحميه، وقد نجحت السياسات الحكومية القاصمة للظهر من تحويله الى بيئة هشة، قد يسهل اختراقها ان لم يقف الاردنيون الى جانب وطنهم وقيادتهم، نعم فقد آن الآوان ان يتحول كل اردني الى جندي كلاً في موقعه وبيته وعمله، لتفويت اي فرصة لاختراق امنه، فلا حياة او رفاه دون امن وأمان الوطن.