اخبار البلد_ يوم الاستقلال له مكانة خاصة عند الشعوب، لأنه بداية مرحلة البناء بعد مراحل من النضال بكل أشكاله، لإزالة قيود الاحتلال؛ مناسبة يشعر فيها المواطنون أنهم استطاعوا بناء كيان سياسي يحمل هويتهم ويعبر عن مضمونهم.
غدا ذكرى استقلال الأردن، هذا البلد الذي يمثل علامة فارقة في الاستقرار في الإقليم. والدولة التي نشأت العام 1921 أمضت تسعين عاما من الحضور. واليوم، نفخر أننا أنجزنا وطنا بنته أجيال بعد أجيال، واستطاع رغم كل ضيق ذات اليد أن يكون مخزون حكمة في المنطقة، وحصل أبناؤه على العلم والتأهيل الذي جعل الإنسان الأردني متميزا وقادرا، وساهم في بناء أوطان عديدة من بلاد الأشقاء.
ونحن نطوي تسعين عاما من عمر الدولة الأردنية، و65 عاما من الاستقلال، نحتاج إلى خطاب ندخل به المرحلة القادمة التي كلنا نتفق على صعوبتها وعمق تحدياتها، خطاب يقوم على أمور وقضايا منها:
* أن نقدر لأنفسنا شعبا وقيادة ورجالات وأجيالا ما كان في مسيرتنا الطويلة من إنجازات وبناء، وأن نشعر بالثقة بما كان من إيجابيات، لأن مسيرة الأردن تستحق من الأردنيين أن يقفوا أمامها باحترام وتقدير وموضوعية وإنصاف.
* أن ندرك أن حماية هذا الاستقلال تقتضي مواجهة المشكلات والتحديات التي تواجهنا. لكن المواجهة لا تتم من خنادق متناقضة، أو بمراهقة سياسية، أو تضخيم أو تهوين، لأن العقل هو الذي يبني الدول، والحكمة والصدق هما اللذان يحافظان على إنجازاتها.
فالاستقلال لا تحميه شكليات الولاء ومظاهر الانتماء الخالي من الصدق أو القائم على منفعة، أو التي تخلو من المضامين الفكرية والسياسية التي تجعل للولاء مسارا منتجا وليس حالة عصبية أو تفاعلا لحظيا لا يختلف عن صدى الألعاب النارية.
والاستقلال تحميه المعارضة المتزنة التي تحمل موقفا واحدا من ثوابت الدولة في كل الظروف والمراحل، وترى نفسها شريكا لا باحثا عن العيوب؛ تقترب من الإيجابيات وتنصف أصحابها، وتتعامل مع الخلل بحجمه وظرفه.
الاستقلال نحميه عندما نتعامل جميعا، أيا كانت تصنيفاتنا السياسية، بعقلية أم الولد وليس بعقلية المحاصصة السياسية أو الاقتصادية، أو لغة "البزنس" وحقائب السفر.
ونحمي الاستقلال من عدو غادر هو الفساد الذي نجزم كلنا أن قادته هم أعداء الدولة وخصومها، مهما كانت مظاهر أفعالهم. ونحمي الاستقلال عندما لا نعطي مقاليد الإدارة والسياسة إلا للأقوياء في بنيتهم الأخلاقية والوطنية والفنية.
ويحمي الاستقلال من يؤمن بفكرة الدولة باعتبارها المظلة لكل الأردنيين، وهي الفريضة العظمى التي لا يجوز المتاجرة بها من فاسد أو مراهق أو تاجر سياسة، ولا يجوز تشويهها كسبا لشعبية أو شراء لمرحلة.
* أكبر أعداء الاستقلال من لا يرى في الدولة إلا مجموعة أرقام وعقود وسندات ملكية. وهؤلاء مستعدون حتى للابتذال وهم يمارسون الولاء، والمزايدة حتى على الشهداء. ومقابلهم من لا يؤمن بالدولة، ويستعمل كل مفردات الحرية والديمقراطية ومشتقاتهما للتعبير عن مخزون مشاعره وتحقيق أهدافه.
أما أكبر هدية نقدمها لوطننا واستقلالنا، أن نعلّم أبناءنا الموضوعية، لينظروا إلى وطنهم بعيون منصفة تسجل لكل صاحب إنجاز فضله، وترى كل الخير والبناء والنعم التي منحنا الله إياها في هذا الوطن، وأن يروا ما يحتاج إلى إصلاح وتغيير، لكن من دون مشاعر اليأس أو مضامين تقطع على صاحبها القدرة على العطاء.
حماية الاستقلال
أخبار البلد -