أخبار البلد - العطوة العشائرية في المجتمع الأردني العشائري هي الهدنة الأمنية التي يعطيها أهل المعتدى عليه غدراً إلى المعتدي و ذويه ؛ وتكون عبارة عن مهلة زمنية ليتسنى لهم ترتيب أوضاعهم والإبتعاد عن منطقة إرتكاب الجريمة. وتعتبر العطوة من العادات والأعراف المجتمعية ، ويتوسط بين الطرفين للحصول على العطوة مجموعة من اهل الخير من الوجهاء المعروفين في المجتمع وخصوصا ابناء العشائر وشيوخها ، ويتم التوصل إليها من خلال ذهاب مجموعة منهم لأهل المعتدى عليه وتسمى ( الجاهة ) ويتم التفاوض معهم للحصول على هذه الهدنة من خلال جهود أشخاص آخرون غير طرفي النزاع، وتطييب الخواطر من خلال المعرفة ، وكف أيدي أهل المجني عليه عن الإعتداء على الجاني أو ذويه وينظم بذلك بصك خاص يسمى (صك العطوة العشائرية) يوقع عليه وينتدب لهذه الغاية كفيلان يعرفان بكفيل الدفا وكفيل الوفا.
وللعطوة دورا بارزا تمهيدياً لإنهاء النزاع وحل سبب الخصام وحماية الأرواح والممتلكات والحد من توسع آثارالاعتداء او مسبباته إلى أفراد آخرين ليس لهم ذنب أو علاقة بما إرتكب وخاصة (ذوي الجاني) وتساهم العطوة في هذا المجال بما تقدمه من المساهمات العديدة في مختلف مراحل الاعتداء من خلال وجود نوع خاص لكل مرحلة من مراحل الاعتداء وتعرف بالعطوه . ومن انواع العطوة ما يعرف بعطـــــــوة الحــــــــــق أو الإعتراف وتتضمن هذه العطوة إعتراف ذوي الجاني بإرتكابه للجريمة ؛ وتعطى من قبل ذوي المجني عليه لحين ثبوت الحق وذلك بصدور قرار من المحكمة التي وقعت الجريمة في منطقة إختصاصها على أن يكون الحكم إكتسب درجة قطعية ونهائية .
وعادة ما يجري الموافقة عليها من قبل ذوي الجاني إذا إرتكب الأخير فعلاً إجرامياً شنيعاً أو مشيناً كالسرقة والقتل أو الإغتصاب أو التشويه للمقتول أو غيرها من الإنحرافات الجرمية المتبع فيها أسلوب جرمي ينم عن نفسية إجرامية شريرة ، ويصاحب العطوة العشائرية بعض الإجراءات التي تعارف عليها أفراد المجتمع الأردني ويلتزم بها الجاني ومنها الجلوة .
تابعنا قبل أيام أحداث جريمة قتل بشعة وقعت في محافظة الكرك حيث أقدم أحد أفراد عشيرة المطارنة على غدر الشاب تركي الصرايرة واطلاق عيار ناري عليه لينتقل الى رحمة الله تعالى . صدقاً ودون مواربه او تحيز فلقد قامت الأجهزة الأمنية بعمل انساني أمني شُرطي لم يسبق له مثيل ، فحقنت دماء كادت ان تسيل لولا العناية الإلاهية ثم فطنة ودراية الجهات المعنية بصعوبة الموقف ، وفي نفس الوقت سرعة الأداء في إلقاء القبض على الجاني خلال فترة زمنية وجيزه .
ولكن عطوة الاعتراف التي أقرت في ديوان عشيرة الصرايرة كشفت معدن واصالة العشائر الأردنية كابراً عن كابر ، فوسط جمعٍ مهول من كافة محافظات الوطن توجه نائب رئيس الوزراء الدكتور محمد الذنيبات بجاهة كبيرة الى ديوان عشيرة الصرايرة في بلدة مؤتة لتقديم عطوة الاعتراف ، وكما جرت العادة و العرف ان يكون في استقبال جاهة العطوة كبار وجهاء الطرف المجني عليه فكان في استقبال الجاهة كبار عشيرة الصرايرة وعلى رأسهم والد الشاب تركي الصرايرة الشيخ شاهر تركي الصرايرة و الباشا الفريق الركن السابق خالد جميل الصرايرة ومعالي جمال الصرايرة وغيرهم من شيوخ ووجهاء العشيرة .
بدأ الحديث من باب حُسن النوايا والطّيب والد الشاب المغدور بدعوتهم لشرب القهوة العربية والترحيب بهم ، ومن ثم بدأ رأس الجاهة حديثه طالباً من الحضور قراءة الفاتحة على روح المرحوم تركي الصرايرة ، وقال بان أهل الجاني معترفون بالجريمة النكراء ومطالبين بانزال اشد العقوبات على ابنهم ، وأكد الذنيبات بان الجاهة حضرت وبجعبتها وثيقة اعتراف تنص على : " أنا الحاج جبريل عثمان عقيلان المطارنة " والد القاتل هشام أعلنها لكل فرد في هذه الامة الاسلامية والعربية والاردن وأهل مؤتة والصرايرة خاصة بأنني أنكر واشجب هذا العمل كما أنني اطالب بإعدام ابني هشام بالسرعة الممكنة حتى تهدأ القلوب ، سائلاً الله العفو والعافية وجنة الفردوس الى تركي .. شاكراً للجاهة الكريمة ممثلة برئيسها معالي نائب رئيس الوزراء ووزير التربية والتعليم الدكتور محمد الذنيبات والله المستعان والد القاتل هشام جبريل عثمان عقيلان المطارنة ومن ثم التوقيع " .
هنا الذنيبات قام بتسليم وثيقة الاعتراف الى الباشا خالد جميل الصرايرة ، والذي استهل حديثه بالترحيب بالجاهة الكريمة ، مستنكراً الجريمة التي وقعت والتي كانت كالصاعقة على كل ابناء العشيرة والوطن لخستها ودنائتها .
وكشف الصرايرة عن ما دار بينه وبين والد المغدور عند تلقيهم خبر هوية قاتل ابنهم داعيا الشباب للتروي وعدم الاعتداء على الاخرين أو ايذاء أي أحد من عشيرة المطارنة ؛ مؤكداً بان من قام بعمليات الحرق والتكسير هم من خارج عشيرة الصرايرة ؛ وهنا تكمن الأصالة والوطنية والعقل الرزين ، الذي يسعى لأخذ حقه بالقانون ووسائله وأدواته المعروفه .
قدمت عشيرة الصرايرة انموذجاً يجب ان يدرس ويحتذى به في كافة أرجاء الوطن من طيب استقبال ، ومرونة في التعامل مع الموقف ، و الورع والدين وحُسن الخُلق العربي الأصيل الذي أبداه والد المغدور وعطوفة الباشا خالد جميل الصرايرة وجميع ابناء عشيرة الصرايرة ؛ حيث أجاز والد المغدور للجاهة بدايةً مدة شهر للعطوة لأفخاذ ذوي الجاني الخمسه والعد بعد العطوة ، مؤكداً بان الحق سيأخذ بالقانون ؛ وطالب الصرايرة بمطالب مشروعة أقرها الذنيبات ؛ ثم طالب الذنيبات بان تكون العطوة مدتها ثلاثة أشهر ووافق والد المغدور تركي الصرايرة على ذلك وان يكون العد بعد الشهر الثاني اكراماً لله ورسوله ، وفي نهاية العطوة تم توقيع الصك من قبل الكفلاء للطرفين وبحضور " حاملي العاني " من عشيرة الشحاحدة من الطفيلة .
تعود العشائرية لتثبت مصداقيتها من جديد في الحفاظ على وحدة الصف والأمن والأمان ، وانها صمام الأمان لوطننا الحبيب رديف ذو اعتبار للجيش العربي وكافة الاجهزة الأمنية ، وما قامت به عشيرة الصرايرة لهو خير مثال على ذلك .