اخبار البلد- الاستماع إلى بعض الإذاعات المقرّبة من الدولة وقراءة بعض الآراء الإعلامية والسياسية، يعزّزان الانطباع السائد بأنّ التيار الرسمي المعادي للإصلاح يحاول "تعميم" الصورة الإعلامية لأحداث الجمعة الماضية على مشهد المسيرات المنادية بالإصلاح جميعها.
بالعودة قليلاً إلى وراء، فإنّ المسيرات والاعتصامات والحركات الجديدة انطلقت من المحافظات والمدن المختلفة احتجاجاً على الفساد والضغوط الاقتصادية وغياب العدالة الاجتماعية، وترفع مطالب بإصلاحات اقتصادية وسياسية.
ثمّ دخلت القوى والأحزاب السياسية، وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين على خط ذلك الحراك السياسي، بالتزامن مع الثورات الديمقراطية العربية، وأخذت المطالب السياسية للمسيرات والاحتجاجات تتدحرج وتتطور، ويرتفع سقفها السياسي في محاولة لتحقيق أكبر اختراق "ديمقراطي" من خلال اللحظة الراهنة.
التذمّر السياسي من الشارع والمسيرات والاحتجاجات كان بادياً خلال الفترة السابقة على المسؤولين والسياسيين، إلى أن استنسخ لنا بعض "الأذكياء" (مقاولو الدولة وسماسرة التحشيد والتهييج) اختراع "البلطجية" (يطلق عليهم في سورية الشبّيحة) من التجارب العربية الأخرى، في محاولة لخلق "رهاب" الشارع، فكانت النتيجة عكسية، وصعّدت من خطاب المعارضة.
فكرة اعتصام 24 آذار في ميدان جمال عبدالناصر، عزّزت التيار الرسمي الذي يدفع لخلق "فوبيا الشارع"، ولم يقف الأمر عند حدود "البلطجية"، وما خلقه مشهد الاعتداء على المتظاهرين، بل سارعت "الأبواق الإعلامية" شبه الرسمية والأدوات المختلفة إلى تهييج سكان المحافظات والمدن المختلفة ضد المطالبين بالإصلاح، واستُغِل الصراع التقليدي مع جماعة الإخوان المسلمين، لتحديد مربع جديد ومختلف بعيداً عن الجوهر الحقيقي لمطالب المعتصمين.
كانت الرسالة الرسمية الضمنية، غير المعتمدة علناً، واضحة: يا سكان المحافظات والمدن ويا أبناء العشائر، انتبهوا إلى من يريدون اختطاف النظام السياسي، ودافعوا عن دولتكم وهويتكم وشرعيتكم، وإلاّ فلن تقف خسائركم عند الجانب الاقتصادي، بل ستشمل ما هو أخطر وأهم: الدولة والهوية والاستقرار.
كان السلاح فعّالاً، بلا شك، بخاصة عندما يتحوّل دور المسؤول من تفكيك الهواجس والهويات العصبوية إلى تأجيجها وتفجيرها، واختلاق ثنائية التناقض بين الولاء والإصلاح، في محاولة لتأجيج "شارع" ضد الإصلاح والإصلاحيين، و"تحييد" الشارع الآخر وتسكينه بعد "حفلة" التخويف والوعيد!
المراجعات الرسمية ذاتها وصلت بعد أحداث 25 آذار (مارس) إلى أنّ التهييج والتحشيد المبالغ فيه أصبح "معضلة" للدولة نفسها، وهو سلاح غير مضمون النتائج، ويؤدي إلى "خسائر" سياسية للجميع، فانقلبت "مراكز في القرار" على هذا السيناريو الخطر.
المشهد الأخير من فيلم "فوبيا الشارع" وقع الجمعة الماضية 25 نيسان (أبريل) في الزرقاء. وقد نجحت الدولة بتكبير حجم صورة ما جرى، وعملت "الماكينة" الرسمية على استثمار الحدث إلى أقصى الدرجات الممكنة.
الصورة المعاكسة تماماً لـ"فوبيا الشارع" هي أنّ البديل عن الإصلاح السياسي الحقيقي النوعي الملموس لن يكون إلاّ تعزيزا للأزمة السياسية-الاجتماعية، وقد تجلّى ذلك بصورة واضحة في ظاهرة البلطجية والهويات الفرعية ومنطق الولاء ضد الإصلاح وعودة العنف إلى الجامعات، أو الجماعات الراديكالية التي تضرب كفّاً على كفّ من محاولات الإصلاح المعتدل السلمي، وتدعو الشباب إلى أحضانها، أو "السلبية القاتلة" لدى شريحة واسعة، وهي أشدّ خطراً وأكثر تعبيراً عن السخط وتمثّل أشرس أنواع التعبير عن الاحتجاج وخيبة الأمل!
"فوبيا الإصلاح" إلى "فوبيا الشارع".. محمد ابو رمان
أخبار البلد -