خروج الناس للشوارع للتظاهر والاعتصام لبس ترفاً منهم أو محاولات استعراض وعرض عضلات، وإنما يتم للتعبير عن مدى احتجاجهم على ما يشعرون به، وللتعبير عن مطالبهم. ولو أن الإحساس العام بالحق والعدالة والنزاهة في حمل تطبيق عام لما احتاج أحد للشارع، لكن ولعدم الثقة بمعسول الكلام والوعود التي تتكرر في شتى المناسبات، نجد الناس بالشوارع عند أول فرصة.
ليس من بين المتظاهرين من يرغب بمواجهة مسلحة ودامية مع أجهزة الأمن، ومن تابع المسيرات خلال الأشهر الماضية يكتشف أن ليس فيها أكثر من يافطات وهتافات ورفع لشعارات سياسية. ومطالب محددة بالحريات ومكافحة الفساد وخفض الأسعار ومحاسبة الغارقين بالثروات غير المشروعة، وما إلى ذلك من مطالب لا يختلف عليها اثنان ممن يحبون الوطن والحياة فيه بكرامة.
التعامل الحضاري الأمني مع المسيرات دفع إلى توسيع دائرتها وأعطى الناس الحذرة قوة دفع للمشاركة، ويبدو أن هناك من لمس هذا الحال، ومثل هذا التلمس، قد يكون خلف الانقضاض على المسيرات عبر من يوصفون بالبلطجية، وما وقع على دوار الداخلية من خشونة.
الذين يخشون المسيرات لا بد أن يكونوا من المتورطين، أو في أحسن الأحوال يخشون على مراكزهم ومناصبهم وما يعيشون به من نعيم.
أما الذين يصرون عليها فإنهم الذين يريدون حياة أفضل ومساواة وحقوقا سياسية بحكم رشيد، يمثل الناس ويدافع عن مصالحهم، باعتبار الانتخاب له وليس التعيين.
صحيح أننا أحسن من غيرنا بالمقارنة، لكن هذه لم تعد كافية الآن جراء واقع التغيير وما يجري من أجله ووصل درجات الثورة.
حادثة المواجهة مع تيار السلفية الجهادية لا ينبغي أن تكون شماعة لمكافحة المسيرات بدل الفساد، وإنما أخذها على محمل الجد.
فالأمر لن يتوقف عند هذه النقطة، وأخطر ما في الواقعة احتمال انبعاث روح الانتقام وثقافة الثأر من هنا وهناك، ودون تمييز وذلك في إطار التنقل في سياسة النعومة والخشونة التي قد تتحول إلى متبادلة في حضن الوطن.