أخبار البلد - مؤكد ان كل اردني مخلص لهذا الشعب، وغيور على هذا الوطن، يود من قرارة عقله وقلبه ان يتم الاصلاح السياسي الحقيقي على قاعدة الامن والامان والسلم الاهلي والوحدة الوطنية، وليس على حسابها، او بالضد منها والتناقض معها·
مؤكد ايضاً ان الاصلاح السياسي الكفيل بمواكبة معطيات العصر، وتلبية احتياجات الشعب، يتكامل - ولا يتعاكس - مع قواعد الوحدة الوطنية، ودعائم السلم الاهلي، واركان الامن والامان التي من شأنها جميعها ان تزداد رسوخاً وقوة وثباتاً، بفضل مخرجات هذا الاصلاح المخولة بتعزيز المشاركة الشعبية، والمسيرة الديموقراطية، والعدالة الاجتماعية، والتراضي العام·
مؤكد ايضاً وايضاً ان الاصلاح السياسي يعمق قيم الولاء والانتماء، ولا يبددهما او يجور عليهما، نظراً لان الاصلاح من سنن الحياة مادامت في سفر موصول وصيرورة متجددة، ولان الولاء او الانتماء لا يكون صادقاً وحقيقياً الا من موقع القناعة والرضا والاختيار الحر المبرأ من الضغط والعسف والاملاء·
يخطئ - اذن - من يتوهم ان الاصلاح خصيم الولاء والانتماء، وعدو الهوية والكيانية الاردنية·· فالاصلاح، على اطلاقه، هو الضمان الوحيد لادامة النظم والكيانات والمجتمعات، وتمكينها من الاستمرارية والبقاء، وتأهيلها لمجابهة الملمات والتحديات·· وصدق الحق جل وعلا اذ قال في سورة هود : "إن أريد الا الاصلاح ما استطعت"، وفي سورة الاعراف : "إنا لا نضيع أجر المصلحين"·
غير ان دعاة الجمود والتخلف والبلطجة والشد العكسي الذين يخجلون من اشهار حقيقتهم العرفية، ويتسترون خلف اقنعة ووجوه مستعارة، لا يتورعون عن اللعب بالنار، والتلاعب بالمحرمات، والصيد في الماء العكر، والعزف على ربابة النعرات الجهوية والعصبوية والتحشيدية، لوضع العصي في دواليب الاصلاح والتغيير، وحرمان البلاد والعباد من ثمار التطوير والتحديث ومواكبة مستجدات العصر·
لقد سارعوا - بكل اسف - الى وضع الاصلاح السياسي في نقطة التصادم مع الوحدة الوطنية، ومنحوا هذا الاصلاح شكل التوطين والتجنيس والاعتداء على الهوية الاردنية، وعمدوا الى طمس الحقائق الواقعية الماثلة للعيان التي تبين بكل وضوح ان دعوات التغيير والاصلاح تنطلق من سائر الجماعات الديموغرافية والانحاء الجغرافية، وتنأى بنفسها عن الوقوع في دوامة المنابت والاصول المرفوضة شكلاً وموضوعاً·
ولأن جوقات التعبئة والتجييش والعزف على اوتار الهواجس، قد تحرز في الظروف الضاغطة الملتبسة بعضاً من النجاحات المسمومة·· فقد وجدنا انفسنا امام وضعية انقسامية وليس اصلاحية، وازاء حالة نكوصية وليس تقدمية، وحيال ظاهرة تصاعدية في اقتناء السلاح وليس اشاعة الحوار والانفتاح، وبصدد مخاطر تهدد الوحدة الوطنية وليس منائر تضيء دروب الاصلاح والانفتاح والتحولات الديموقراطية·
مؤسف ان تتورط جهات مؤتمنة على الوطن، في لعبة التغريق والتمزيق والتأليب، وقسمة العرب الى عربين، والشعب الى شعبين، دون ادنى التزام بامانة المسؤولية الوطنية والوظيفية، ودون اقل اهتمام بالعواقب الوخيمة لهذه التصرفات التخريبية التي من شأنها دفع البلاد والعباد الى مهاوي اللعنة والفتنة والخراب·
يعرف القاصي قبل الداني، ان اشرس الاخطار المحدقة راهناً بالوطن العربي، هو خطر الشرذمة والتفكيك والتناحر على الهوية·· فالاعداء الذين فوجئوا بزخم الثورات الشعبية العربية، لم يدخروا جهداً، او يضيعوا وقتاً، في التدخل السريع لدس السم في الدسم، وحرف الثورات عن مقاصدها، ووضع القوى والجماهير العربية في مواجهة بعضها بعضاً·
وعليه·· فليس امام العقلاء والامناء والشرفاء منا غير اليقظة والانتباه لما يحاك ضد هذا الوطن الغالي، والاستنفار الجماعي الشامل لتفويت الفرصة على المتربصين والمتآمرين الذين يريدون شق الصفوف ودق اسافين الانقسام·· والا فهناك مخاوف جدية من ان نضيع عنب الشام وبلح اليمن معاً، ونخسر الاصلاح السياسي والوحدة الوطنية على حد سواء !!