لقد شهدت المملكة الأردنية الهاشمية خلال الأربعة شهور الماضية تظاهرات للتعبير عن الرأي كحق كفله الدستور ولم تبق فئة من فئات المجتمع الا وعبرت عن رأيها بغية ايصال صوتها للمسؤولين سواء بالحكومة أو القطاع الخاص بدءا من العمال والمعلمين والموظفين ومرورا بالشباب والطلبة ووصولا للأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وغيرها حتى غدا التظاهر سمة العصر وموضته والمهم هنا أن نستقرئ هذه الثقافة الحديثة والتي من المفروض أن توصل رسالة منتقاة للإصلاح المطلوب وليس أن تكون ككرة الثلج تكبر بأهداف لاجندات خاصة تغرد خارج السرب والنسيج الوطني الأردني المتكامل.
وتفاوتت مطالب المتظاهرين بين المطالبة بحقوق أو اصلاحات بمختلف أنواعها أو تحقيق مكاسب مادية أو معنوية أو اصلاحية أو وسائل للضغط على الدولة أو الحكومة أو الأشخاص المسؤولين أو لمجاراة الآخرين ووصلت الى حد الابتزاز أو التغول على حقوق الآخرين أو قطع أرزاق الناس كالتجار أو تعطيل الانتاجية والعمل أو اغتيال الشخصية أو الظلم أو العزف على الأوتار والمصالح الضيقة أو رفع الأعلام غير الأردنية أو الفُجر على الآخر أحيانا –وان كانت أصوات قليلة جدا- لكن المهم فيها أن هنالك رسالة لدى المواطنين أو الفئات المتظاهرة تريد ايصالها من منطلق أن حقهم الدستوري كفل ذلك وتصورنا فعلا أننا بحاجة الى «هايد بارك» في كل محافظة ومدينة وقرية ولكن الدستور أيضا لم يتحدث عن الحرية المطلقة على الغارب والتي تؤول للانفلات بل الحرية المسؤولة والمقننة والتي يضبطها القانون ولم يدع البتة الى الفوضى أو العبث بالأمن لأن ذلك من الخطوط الحمراء وربما السوداء أحيانا وهنا اختلط التعبير عن الرأي بالعبث بالأمن لدرجة الخروج عن المألوف أحيانا ووصول الرسالة مشوهة رغم وجود ثقافة الاختلاف مع البعض وكانت منابرنا الاعلامية والدينية والتربوية مثالية في الطروحات الديمقراطية ورفع سقف الحرية المسؤولة وعلى ضوئه تبلورت دعوات حكومية لتشكيل لجنة الحوار الوطني والتي ما زلنا بانتظار مخرجاتها بصدد الاصلاحات السياسية لقوانين الانتخاب والأحزاب والبلديات والتي دعا اليها جلالة الملك المعزز أولا.
بالمقابل كان الوازع الانتمائي والتركيز على الثوابت الوطنية الأردنية والمصالح الوطنية العليا والابتعاد عن المصالح الضيقة واضحا وجليا للعيان لدى أطياف الشعب الأردني كافة من بواديه وأريافه ومخيماته ومدنه ومن كافة الأصول والمنابت فكانت تظاهرات ومهرجانات الولاء والانتماء السمة الأغلب والأوضح من كل فئات الشعب الأردني في كل مكان وزمان والتف الشعب من جديد حول القيادة الهاشمية المظفرة بقيادة جلالة الملك المعزز وأكد اعتزازه بها كصمام أمان لهذا الوطن وأثبتت القيادة الهاشمية بأنها حكيمة بكل المقاييس وتحافظ على كرامة المواطن وانسانيته لأنها ذات شرعية دينية وتاريخية وليصبح الأردن كعادته نموذجا بين دول المنطقة –اللهم لا حسد- وليثبت المواطن الأردني أنه منتم واع مدرك ومحب لقيادته ووطنه بالفعل لا بالقول أو بالتنظير ولتثبت أجهزتنا الأمنية بأنها من الشعب واليه ومعه دوما والكل قيادة وشعبا وأجهزة وحكومة في خندق الوطن الأشم.
ولقد تعاملت الدولة الأردنية –وأقول الدولة وليس الحكومات هنا فقط- مع هذه الموضة العصرية بكل كفاءة واقتدار وكانت رؤية جلالة الملك المعزز عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم الاستباقية والثاقبة كعادته دوما تسابق الزمن فكان أول من نادى بالإصلاح السياسي والاقتصادي والتربوي ووجه أجهزة الدولة المختلفة للسماح لجميع أطياف الشعب الأردني بالتعبير عن رأيه وأكد أن كرامة المواطن مصانة وهي من كرامة جلالته فكانت المهنية والحرفية العالية سمة واضحة من مختلف الجهات والأجهزة للتعامل مع منظمي هذه التظاهرات السلمية والحمد لله مرت الأمور كلها بسلام وانحسرت بل واضمحلت محاولات الشطط هنا وهناك لبعض دعاة الانفلات ولم يسجل بالتاريخ الأردني كعادته أن اهينت كرامة لمواطن أو تعكر صفو اللحمة الوطنية فيه فكانت وحدتنا الوطنية نبراسا وكان التفافنا من جديد حول قيادة جلالة الملك المعزز من القلب ودون تجمل وشعرنا بأن الغالبية العظمى من الشعب الأردني يغلب مصالح الوطن العليا على المصالح الضيقة وهنيئا لنا في الأردن بهذه السمفونية والمنظومة المتكاملة والرائعة بين القيادة والشعب والأجهزة ومن حق الأردنيين والأردنيات الفخر ورفع رؤوسهم عاليا لذلك ليبقى الأردن قويا عزيزا مهابا ورغم ذلك فان هذا كله لا يعفي الحكومة من الاسراع في وتيرة الاصلاح واظهار الجدية في محاربة الفساد وتحقيق شيء ملموس على أرض الواقع في هذا الصدد وكفانا مظاهر تظاهرية وخلط أوراق من البعض وانبراء باسم المطالبة بالاصلاح ولينصرف كل لعمله بجدية لتعزيز الانتاجية وبيئة العمل وتحقيق التقدم والنمو والتنافسية المنشودة في الاقتصاد الوطني لأن الرسالة المطالبة بالاصلاح قد وصلت ووجه جلالة الملك المعزز الحكومة للاسراع في ذلك.
* وزير الأشغال العامة والاسكان السابق