لا أحد يشتري رواية الحكومة عن دوار الداخلية، مثلما لا أحد يصدِّق أن اعتصاماً مؤيداً للإصلاح وللملك تحديداً قد أتى به غلُّه من حدائق الحسين إلى اعتصام الداخلية لتكسيره والفتك به وإنهائه. وأنا لا أصدق أن الناس المحترمة التي خرجت في مسيرة "نداء وطن" قد هرعت إلى المعركة للإساءة إلى الأردن والنظام أولاً. وبينما في ألف باء العراك أن المعتدي يهجم ويحاول إلحاق الأذى بخصمه، كانت الصور وشهادات من حضروا التي على الإنترنت تقول إن الأمر لم يكن كذلك. إذن، هذه جولة خاسرة مع الإصلاح يا حكومة.
وإذا كان الإصلاحُ في نيتك فعلاً فكان عليكِ الاعتراف على الأقل أنك لم تستطيعي أن تحمي المعتصمين وأن تديني الفئة التي تزعم الموالاة لتطفلها على مكان الاعتصام وأهله. فقد رأينا في هيئة زعران يرمون بالطوب والحجارة على المعتصمين والمعتصمات، في حين جادت علينا مصادر أخرى بصور لرجال أمن كانوا يلاحقون عزَّلاً ويضربون ويهدمون الخيم. وأرجو أن يكون استنتاجي خائباً إذا ما خطر ببالي ولو للحظةٍ اتفاقُ هدف الفئتين: أن لا مبيت على هذا الدوار مهما كلف الأمر!! على أن القصة برمتها رديئة الإخراج. ومن ذلك الخطأ الجسيم بالقول إن الإخوان المسلمين كانوا وراء تنظيم هذا الاعتصام، فبذلك منحت الحكومة الإسلاميين فضلاً في إدارة الاعتصامات ليس لهم!!! ورسَّمتهم قوة عظمى في تحريك الشعب الأردني، وليس هذا بصحيح. وستكشف الأيام مقدار زيف هذه المقولة عندما يُطلَقُ كاملُ الحريات وتجد الناس أمامها خيارات شتى، بينما المعارضة الأخرى الآن مهيضة الجناح!!
ولعلَّ ليس في نية الحكومة الآن التعجيز حتى تضبّ المعارضةُ والاعتصاماتُ الموضوعَ ويعود إليها صوابُها القديم في مشي الحيط الحيط، غير أن علينا جميعاً أن نعي أن حيط الفزع هذا انهدم إلى غير رجعة منذ هبت ثورة تونس ولحقت بها ثورة التحرير في مصر. وإذا بدأت الأنظمة العربية تلتقط أنفاسها بعد عناد القذافي الذي يغرِّق شعبه في بحر من الدماء، فإن النظام الأردني لن يكون على شاكلة هؤلاء المجرمين. وإني أصدق مدير الأمن العام في أن جلالة الملك أمره أن لا تراق قطرة دم.
إن الطواقم القديمة استُهلكت، ولم تُظهر حتى الآن فهمها أن الشعوب العربية وأنظمتها برمتها قد دخلت عصراً جديداً يحتاج إلى لغة جديدة وسياسة غير تقليدية لمداهمة المشكلات والتحديات وحلها بالبصيرة والرؤية والكفاءة التي لم تشهدها البلاد من قبل. وإذا ما كانت سرعة النمل هي المعتمدة لدى هذه الحكومة، ومثيلاتها من الأنظمة العربية، فإن اجتهاد النمل ومثابرته ليسا في واردها إلا إذا اتصل الأمر بقمع التظاهر وتأديب الخارجين المتجرئين على قول: لا!!!!
دعونا لا نفقد الأمل.....