خرج الأردن من الربيع العربي بأحسن الدروس المستفادة، أثبتت قدرته على الصمود، في أجواء حرب باردة، تلفحنا معها رياح حرب الإقليم الساخنة، وبينما كانت خسائر الإقليم دماء ودموعا وحكاما وأنظمة وفوضى، واجه الأردن ضغوط الإقليم بمناعة ومرونة عززت صداقاته، من دون أن تنقطع شعرة معاوية مع من ظنوا أنه عدوهم، وباتت خطوطه مع دول الإقليم المضطرب، أصلب وأمتن.
في الشمال، بدأت الفوضى على حدوده الطويلة في درعا، وتعمقت عندما
انسحب الجيش السوري منها وتركها غابة بنادق، فاشتدت عليه الضغوط، قريبها وبعيدها،
تعامل معها بحكمة وحنكة أغضبت، قريبهم وبعيدهم، حكاما وأنظمة وبنادق، لكنه لم يفقد
صداقة، ولم تنقطع شعرة الوصل مع أي منها. وبامتداد داعش، انضم لتحالف كان صعبا
عليه البقاء خارجه، لكنه صكّ على أنيابه بعد استشهاد الطيار البطل معاذ، فقصف
مواقع القتلة. وما زال التحدي الشمالي قائما ببنادقه المختلفة قديمه وحديثه.
في الشرق، لم يتوقف التحدي منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي،
وحروب الأحلاف الدولية، إلى أن احتلت أمريكا العراق، وهبوب مخاطر الفوضى إلى
الأردن، برغم وجود حكومة مركزية في بغداد، قررت في لحظة سحب الجيش العراقي من
الحدود الطويلة المتاخمة، وتركتها للفوضى تسكن على حدودنا الشرقية. ويبقى تحدي قوى
الشرّ المنتظرة قائما.
في الجنوب، لم تتراجع الفوضى حتى الآن، بطبعاتها المختلفة من نسف
أنبوب الغاز وحرب القتل في سيناء، إلى إعدامات عبثية على الشواطئ الليبية، ما جعل
مصر العروبة تئن من مخاطر أوضاعها التي تفيض إلى حدودها مع الأردن. وتبقى سيناء
باتساعها وليبيا بحكوماتها وبنادقها، حاضنتين تصدران الخطر للأردن وغيره، خاصة
أننا استطعنا بحكمة إنقاذ سفيرنا في العاصمة الليبية. أما في الغرب، فيسكن العدو
الأول، ساعيا وراء الروح والأرض، الذي لن ينقطع شره ما دامت دولته. وتبقى البطالة
والفقر والدَّين العام والنمو وتكافؤ الفرص والتشاركية السياسية، تحديات تعكّر
خروج الأردن الآمن سالما من لهيب الإقليم، بخبرات عمقت تجربته، كما تعمقت خبرة
الحكومة والمواطنين في مواجهة المنخفضات وثلوجها.