لا أقصد أن الكبير المقصود ، طاعن بالسن ، أو كهل ، أو رجل قطع شوطاً عميقاً من حياته وبات ، كما هم سائر البشر ، نهايته الرحيل ، ولا يتميز عن أي إنسان أخر ، أن نهاية حياة الإنسان هي الموت والرحيل ، وهو أمر نسلم به ، ولا مناص من مواجهته .
بل أقصد أن رجلاً وإنساناً كان في حياته كبيراً معطاءاً ، ذا حضور مميز ، غيبه المرض لسنة أو أكثر قبل أن يرحل عن دنيانا ، ورحل قبل أن يشهد حصيلة نضاله ومواقفه ، وقبل أن يتحقق له ولنا ، تقدم الأردن وإستقلاله السياسي والإقتصادي وتطوره الديمقراطي ، وتسليم مقاليده إلى مؤسسات تؤمن حقاً بتداول السلطة والإحتكام إلى نتائج صناديق الإقتراع .
ورحل قبل أن يتحقق للشعب العربي الفلسطيني أهدافه الوطنية الثلاثة الثابتة غير القابلة للتجزئة أو التلاشي أو الإنحسار : 1- حقه في المساواة في مناطق 48 ، و 2- حقه في الإستقلال في مناطق 67 ، و3 – حق اللاجئين في العودة إلى بيوتهم ، وإستعادة ممتلكاتهم المنهوبة المصادرة في اللد ويافا وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع .
رحل إسحق الخطيب أبو إسماعيل القائد الوطني البارز ، والقائد الشيوعي اللامع ، والضمير لدى قطاع واسع من الأردنيين ولدى الفلسطينيين على السواء ، ففي حياته ونضاله ، تصرف وعمل وإقتنع على أنه إنسان قبل أن يكون عربياً ، وعربي قبل أن يكون فلسطينياً وأردنياً ، ولم يستطع عزل نفسه عن ولائه الفلسطيني ، وعن مواطنته الأردنية ، ولذلك كان عنواناً وقضية ، لا يستطيع أحد المزايدة عليه ، من قبل الأردنيين على أردنيته ، ومن الفلسطينيين على فلسطينيته ، قضى سنوات طويلة من حياته في السجون ، ولم نسمعه يقول كلمة بحق سجانيه ، وكان يختلف مع الأخرين ، ويذكرهم بالخير ويتمسك بإيجابياتهم مهما بدت متواضعة ، شعاره ما أصعب الحياة وما أقساها لولا فسحة الأمل ، فالأمل لدى المناضلين والوطنيين هي الشعلة التي تبدد أمامهم ظلمة الواقع وتخفف عليهم قسوة الحياة .
رحل إسحق الخطيب ، بعد أن ترك خلفه تراثاً من الوفاء والوطنية ، ورفاق درب أطال الله في أعمارهم من يعقوب زيادين ، إلى عبد العزيز العطي وعيسى مدانات ، ومنير حمارنة ، وبعد أن سبقه فؤاد نصار وفايق وراد ونبيه إرشيدات وفايز بجالي وأمال نفاع وفايز الروسان ، وفهمي السلفيتي ورشدي شاهين وبشير البرغوثي وسليمان النجاب ، والعديد من الضمائر الفلسطينية والأردنية ، الأكثر وفاء وصلابة ووعياً .
نستذكر هؤلاء وغيرهم العشرات بل والمئات من الوطنيين والقوميين واليساريين الذين قضوا على الطريق ، ولم يصلوا بعد إلى نهاياتها المظفرة ، ولذلك نذكرهم ، لعل جيلنا أو الأجيال المقبلة ، تذكرهم ، وتتعلم من تفانيهم وإسهاماتهم وتتجاوز سلبياتهم وعثراتهم في الحياة وفي النضال ، وتحديد الأولويات وخياراتها ، فمسيرة حركة التحرر العربية ، ما زالت تتعثر ، تعثرت بعد أن حصلت على الإستقلال من الأجنبي ، ولكنها فشلت في الديمقراطية والتعددية ، وفي إستكمال خطوات البناء والتنمية وتقديم الخدمات الحقة والضرورية للمواطن ، وفشلت في وضع حد للعدو القومي ، الذي إحتل ولا يزال فلسطين وأراضي سوريا ولبنان ، ويتطاول على سيادة العديد من البلدان العربية ، وفشلت قبل الربيع العربي وخلاله ومن بعده ، وتسليم الراية لمنظمات التيار الإسلامي وأحزابه العابرة للحدود ، وهكذا نشهد حالة الإنحسار والتراجع ليس خطوة بل سنوات عديدة إلى الوراء .
نفتقد إسحق الخطيب ، بنفس القيمة التي فقدنا فيها ومن خلالها وحركة التحرر العربية ، لياسر عرفات وخليل الوزير وصلاح خلف ، ولجورج حبش وأبو علي مصطفى وعبد الوهاب الكيالي وإبداعات غسان كنفاني ومحمود درويش وسميح القاسم ، ومع ذلك الشعب الذي أنجب هؤلاء ، ما زال وسيبقى معطاءاً ، ولا طريق أمامهم ولا خيار له ، سوى مواصلة الطريق ، طريق التقدم والديمقراطية والتعددية والإستقلال والحرية ، هذا ما أوصانا به إسحق الخطيب وما يمثل من مدرسة وتوجه وفكر ، وبه وبما كان يؤمن .... سننتصر .
h.faraneh@yahoo.com