لا شك ان مدينة القدس تلعب دورا مهما في جميع الديانات بدءا من الديانة اليهوديّة وثم المسيحية وبعد ذلك الإسلامية وقد كانت القدس العاصمة الدينيّة للأردن خلال مرحلة اندماج الضفة الغربية للملكة الأردنية الهاشمية واستمرت الوصاية الهاشمية للمدينة المقدسة ومقدساتها الإسلامية والمسيحيّة حتى الآن .
وبعد احتلال اسرائيل للجزء الشرقي من القدس عام 67 وقبل ذلك اعتبر الكثير من العرب والمسلمين زيارة الضفة الغربية والقدس تحت الإحتلال نوعا من التطبيع مع العدو الصهيوني وكان ذلك بتأثير من الجماعات ذات الأيدولوجيات الإسلامية والقوميّة حتى ان بعض الجهات كانت تفرض المقاطعة على من يقوم بذلك وقد نتج عن ذلك تهميش اهلنا في الأراضي المحتلة عام 1948 وترك المقدسيون يواجهون التهويد لوحدهم وتوجه شباب الضفة الغربية وغزّه للعمل داخل اراضي 48 لتدبير معيشتهم وتصريف امورهم مما زاد عدد المتعاملين مع الصهاينة والتسبب في اعتقال واغتيال الكثيرين وتزوير بيع وسرقة العديد من العقارت والأراضي في القدس وغيرها من المدن الفلسطينية وتغير الحال بعد الإنتفاضة الأولى .
واستدرك بعض السياسيين ذلك الخطأ والظلم الذي وقع على الفلسطينيين من ذوي القربى خاصّة بعد ان امعن الصهاينة في إيقاع الأذى والظلم على الشعب الفلسطيني في الضفّة والقطاع كما انه كان يكيل بمكيالين لعرب ال48 ذوي الجنسية الإسرائيلية ويمايز بينهم وبين اليهود من حملة نفس الجنسيّة , وبعد اتفاقيات السلام فتح الأردن باب الزيارات لعرب 48 وفتح جامعانه لطلابهم للدراسة فيه كما ان زيارات الأهل بالضفة الغربية والقطاع اصبحت متكرِّرة .
وقد تفهّم رجال الدين الإسلامي والمسيحي اهميّة تبادل الزيارات والتشاور مع اهلنا في المحتل من ارضنا وقد بدأو بحملات توعية وإرشاد لدعوة الناس بزيارة المدينة المقدّسة والتواجد في مقدّساتها لإشعار الصهاينة بتوحدنا في المحافظة عليها ومنع تهويدها وبدأ العلماء يدعون علانية للقيام بالتواصل مع إخواننا واهلنا غربي النهر .
وهكذا قامت شركات سياحيّة باستغلال ذلك لتحقيق ارباح ماديّة ليس إلاّ فكانت هناك برامج لزيارة الأقصى لمدد قصيرة او متوسطة قد تستغرق اسبوعا وقد تكون الرحلة شاملة على الإقامة والتنقل في فلسطين التاريخيّة او قد تكون مقتصرة على القدس وبالطبع فان الإسرائيليون يستفيدون من مثل تلك البرامج السياحيّة .
ولكن بعض المكاتب والشركات السياحيّة تسيئ التصرف وتستغل المشاركين في تلك البرامج نظرا لأنّ الكثير منهم من كبار السن اللذين يرغبون رؤية بلاد ضاعت منهم قبل ان يلحقهم قطار الموت او يرغبون بزيارة اقارب واحباب لهم في الضفة وداخل الخط الأخضر .
وقد عشت تجربة مريرة اندم عليها في احدى البرامج حيث قدّمنا طلبا لواحدة من تلك الشركات للمشاركة في برنامجها المعلن فيه يوم الزيارة الرابع من شهر كانون اول وقدّمنا صورة الجواز في بداية شهر تشرين ثاني على ان يكون السفر بعد شهر واتصل المكتب السياحي اكثر من مرّه مدّعيا ان الموافقة لم تأتي من الجانب الإسرائيلي ولذلك ستتأخر الرحلة وهكذا حتى كان مساء اليوم السابع والعشرين من كانون ثاني حيث اتصل المكتب وابلغنا ان الموافقة الإسرائيلية قد تمت وان السفر الساعة الثامنة من صباح التاسع والعشرين من كانون ثاني اي بعد ستة وثلاثون ساعة من ابلاغنا الموافقة وقد قمنا بإحضار كفيل حيث تم تقديم كمبيالة ككفالة عن كل شخص عشرة الآف دينار لضمان العودة مع نفس الشركة بالموعد المحدد بعد اسبوع وفعلا ذهبنا في الموعد وانتظرنا حوالي ساعة على قارعة الطريق في برد شديد والباص واقف مغلق الابواب والسائق داخل الباص في الدفئ يدخن سجائر وبدأت رحلة المعاناة .
في الجانب الأردني من المعبر يتم تغيير الباص الى باص اسرائيلي ويقوم الركاب انفسهم بنقل امتعتهم الى الباص الآخر دون مساعدة او ترتيب من الشركة السياحيّة وقد تأخر الباص حوالي ساعة ونصف لأن احد الركاب لم يستطع المغادرة بامر من السلطات الرسمية .
وفي الجانب الإسرائيلي من المعبر يقوم الركاب بنقل امتعتهم الى التفتيش دون مساعدة ايضا وقد قام مندوب المكتب السياحي في الداخل باخذ جوازات السفر من الركاب وكأنهم محتجزين وترك معهم فقط ورقة التأشيرة والكرت الأخضر المختوم من الأردن وصورة جواز السفر وابلغ الركاب ان ذلك يكفي امام اي سلطة للتنقل داخل اراضي 48 والاستفادة من كل الخدمات , وفي الجانب الإسرائيلي من المعبر قد يتأخر البعض في الحصول على تأشيرة الدخول مما يؤخّر حركة الباص وقد تأخر اكثر من ساعتين حيث وصل الى استراحة اريحا حوالي الساعة الثالثة عصرا وثم التوجه الى القدس حيث قام السائق بتوقيف الباص في منطقة بضواحي القدس وانتقل الركاب الى باص اصغر ونقلوا امتعتهم اليه وقام السائق بسلوك شوارع ضيِّقة لإيصال سائق الباص الكبير وهو قريبه الى بيته في العيسويّه حيث بقي الركاب على اعصابهم لحين وصولهم الى منطقة الداخلية القديمة في القدس حوالي الساعة الخامسة مساء .
وفي اليوم التالي حاولنا عبور احد الحواجز في منطقة الجلمة بمدينة جنين ولكن مسؤولي المعبر الأمنيّين الأسرائليّين منعونا وعندما احتدم النقاش هددوني بالحبس وقالوا ان السبب اننا لا نحمل جوازات سفرنا وقد قمت بالإتصال بالشركة السياحية الأردنية والتي قالت ان مندوب مكتب الشركة السياحية الإسرائيلية بطريقه الينا في المعبر حاملا جوازات السفر وبعد انتظار اتصلت بالمندوب المذكور وقال بالحرف الواحد انه لن يسلمنا الجوازات إلاّ عند المعبر على الحدود عند عودتنا للأردن وهكذا بقيت حريّتنا مقيّدة وكان إدعاء المندوب انه يحجز الجوازات حتى يتأكد من عودتنا وانه قد قدّم كفالات بذلك وابلغته انه اخذ منّا كفالات بمقدار عشرة الاف دينار عن كل فرد وان معظم المشاركين كبار في السن رجالا ونساء واحتمال عدم عودة اي منهم احتمال ضئيل جدا .
وبعد انقضاء الأسبوع كان تصرف مندوب الشركة السياحية الإسرائيلية سيئ جدا خاصة على المعبر الأسرائيلي حيث تأخرنا اكثر من ساعتين إضافة الى تأخرنا في استراحة اريحا اكثر من ساعة وقد تبين لي من حديث بعض الركاب ان تأخير تسيير الرحلة في موعدها لم يكن بسبب تأخ الفيز وانما بسبب رغبة شركة السياحة جذب المزيد من الركاب للرحلة والله اعلم .
ان الكثير من الأردنيّين لهم الرغبة الجامحة لزيارة القدس الشريف والمقدسات الإسلاميّة والمسيحيّة فيها إضافة الى الكثيرين اللذين يودّون زيارة اقاربهم واراضيهم في الضفة الغربية ومناطق 48 وقد تشجّعوا على ذلك بعد الفتاوي بضرورة ذلك دعما لأهلنا المقيمين على ارضهم في القدس والمدن والقرى الفلسطينيّة الأخرى ولكن استغلال بعض الشركات السياحية اسوأ إستغلال للمشاركين في تلك البرامج والغايات السامية التي تم الإفتاء بشأنها يجعل الناس يحجمون عن ذلك مستقبلا .
وعليه فإنّ من واجب وزارة السياحة الأردنيّة وسفاراتها ذات العلاقة مراقبة عمل نلك الشركات ومحاسبتها في حال التقصير لجذب المواطنين مع الدعوات لمشاركتهم في برامج الرحلات للوطن دعما لأهلنا هناك في الوطن المغتصب .
احمد محمود سعيد
12 / 2 / 2015