بالذكرى الـ 5 لوفاة الشاب عبدالله السويدان والده يعلمنا مفهوماً عن الصدقة للميت في "أبٍ صالحٍ يعمل له"
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبدالله وبعد ...
عندما نكتب عن الرثاء نبوح عمّا يعتري القلب من احزان حقيقيه ، نكتب عن جراحنا الأليمة ، وعن خسارتنا الفادحة لفقدان اغلى الأحبة ، ونتحدث عن براكين من الآلام التي لا يقوى القلب على احتمالها فنفرج بها عن مكنونات احزاننا.
وها أنا اليوم في الذكرى الخامسة لوفاة فقيدنا الغالي المرحوم الشاب عبدالله بن بدر السويدان ، أتقدم لأعز الرجال وأعز الأصدقاء على قلبي سيدي وشيخي سعادة العم الفاضل "أبو محمد" الشيخ بدر بن عبدالله السويدان ببعض الكلمات التي فاضت بها مشاعري نحو مصابه الجلل بفقيده الغالي علينا جميعاً داعياً الله أن يجمعنا وإياه به في الفردوس الأعلى من الجنة مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأسأل الله أن يكون قد حط رحاله في الجنة، وأن يكون قد سبق والديه إلى نعيمها المقيم ، كما أدعو الله أن يغفر له ويرحمه وأن يعافه ويعف عنه ويكرم نزله ويوسع مدخله ، اللهم اغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس.
إن البلاء يصيب المؤمن على قدر إيمانه، فإن كان في إيمانه رقة خُفف في بلائه ، وإن كان في إيمانه صلابة زيد في بلائه ، حتى ما يتجلى عنه البلاء، ويذهب إلا وقد حطت خطاياه كلها ويمشي على الأرض ليس عليه خطيئة
سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً ؟ فَقَالَ : " الأَنْبِيَاءُ , ثُمَّ الأَمْثَلُ , فَالأَمْثَلُ , ثُمَّ يُبْتَلَى النَّاسُ عَلَى قَدْرِ دِينِهِمْ , فَمَنْ ثَخُنَ دِينُهُ اشْتَدَّ بَلاؤُهُ , وَمَنْ ضَعُفَ دِينُهُ ضَعُفَ بَلاؤُهُ " , ثُمَّ قَالَ : " إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصِيبُهُ الْبَلاءُ حَتَّى يَمْشِيَ فِي النَّاسِ مَا لَهُ خَطِيئَةٌ " .
وابتلي شيخي وصديقي العم الفاضل أبو محمد في مثل هذا اليوم قبل خمسة أعوام بوفاة ولده وقرة عينه وفلذه كبده الشاب عبدالله "يرحمه الله" وهو في سن السابعة عشر من عمره وذلك إثر حادث سير أثناء عودته من مدرسته الثانوية بعد تأدية الاختبارات النصف نهائية ، ما جعل هول المصاب كبيراً على قلب والديه حيث لازالت ذكرى ذلك اليوم وكأنها بالأمس.
ومن أجمل ما ذكر سعادة الشيخ عن ولده أنه قال له يوماً: (يا والدي أعدك أن أرفع رأسك في يوم من الأيام) فوقع على الشيخ خبر وفاة ولده كالصاعقة مستذكراً تلك الكلمات ومضت الأيام وبدأ سعادة الشيخ بدر بن عبد الله السويدان ينشئ المشاريع الخيرية واحدة تلو الأخرى عن روح ولده عبدالله "يرحمه الله" ليصل له أجرها وثوابها بإذن الله واضعاً نصب عينيه أن أفضل ما تتصدق به عن ميتك صدقة جارية عنه أو علم ينتفع به أو دعاء له ، فعمل على بناء مركز دعوي ضخم في محافظة الخُبر يتضمن جامع الشاب عبد الله بن بدر السويدان رحمه الله الذي يتسع لـ 3700 مصلٍ ويقع بحي السليمانية ، إضافة لاحتوائه على مركز لإكرام الموتى وآخر لدورات تحفيظ القرآن وآخر لعلوم السنة، وترجمة الخطب الفورية بعدة لغات وكذلك مكتبة اسلامية متكاملة، هذا وسيقدم المركز خدماته إلى جميع مكاتب الدعوة في المنطقة.
كما أنشأ سعادة الشيخ باسم ولده "جائزة الشاب عبد الله بن بدر السويدان رحمه الله للتميز " ، ورأس مجلس أمناء الجائزة التي ارتبطت بالمرحلة العمرية التي توفي فيها ولده عبد الله، وذلك لإنشاء جيل معرفي على قدر من العلم في تعاليم الدين الإسلامي لينفعهم في الدنيا والآخرة وبذلك يكون قد قدم رسالة لهؤلاء الناشئة بأن المال ضائع وإنما الدين والعلم باقي ..
وتعتبر الجائزة نموذج للشراكة بين مؤسسات المجتمع التربوية التي تجسد مفهوم الشراكة الفاعلة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص, نحن في عصر الأصالة والتميز ، وتتنامى أهمية ذلك مع ازدياد تحديات مجتمع المعرفة حيث الابداع والتعلم المستمر وسرعة الاستجابة للمتغيرات والمستجدات بكافة أنواعها والتعامل معها بكفاءة وفاعلية وتولي القيادة الرشيدة – أيدها الله – في المملكة العربية السعودية المتفوقين والمتميزين عناية واهتمام خاص قياسا على الآمال المتوقعة منهم في بناء ودعم مسيرة التنمية المستدامة لبلدهم الغالي إيمانا منها بأن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأمثل وأساس تقدمه بإذن الله .
ومنذ تم إنشاء الجائزة بات أهم مايشغل الشيخ بدر السويدان هو كيفية تعليم الناشئة من أبناء المسلمين تعاليم الدين والتي تترسخ في القرآن الكريم والسنة النبوية إضافة للغة والادب الاسلامي والموهبة والإبداع ، وهنا كانت فكرة الجائزة التي تتمحور في هذه الفروع الأربعة ، حيث استثمر الشيخ بدر بن عبد الله السويدان ماله وجهده في الأجر والثواب من الله عز وجل لولده الشاب المتوفي يرحمه الله
وعلى الرغم من حداثة الجائزة إلا أنها استطاعت أن تحصد عدد كبير وغير مسبوق من المشاركين في كل دورة لها وتستقبل المشاركين من المرحلة الثانوية والمتوسطة والإبتدائية في كافة الفروع للبنين والبنات ليتسابقوا في أربعة فروع هي : القرآن الكريم / السنة النبوية / اللغة العربية والادب الاسلامي / الموهبة والإبداع .
وفي افتتاح الجائزة في دورتها الأولى قبل عامين جمعت الجائزة في حفل توزيع الجوائز على المتسابقين ، كبار علماء الأمة العربية والإسلامية منهم فضيلة الشيخ الدكتور/ عبدالعزيز بن فوزان الفوزان ، والامين العام لرابطة العالم الاسلامي معالي فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن عبدالمحسن التركي ، و فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد، و فضيلة الشيخ/ عبد الله بن سليمان بن محمد بن منيع وفضيلة الشيخ عائض بن عبدالله القرني و فضيلة الشيخ/ صالح بن عواد المغامسي إضافة للشريك الاستراتيجي للجائزة وهي الإدارة العامة للتربية والتعليم بالمنطقة الشرقية ممثلة بالدكتور عبدالرحمن بن إبراهيم المديرس والذين أشادوا بدور الجائزة وما قدمته لغرس عقول الناشئة والتي تم إدراجها ضمن افضل ثلاثة جوائز تقدمها إدارة التربية والتعليم لطلابها ومنسوبيها وحققت رقما قياسا في الانتشار والتوسع وزيادة المسارات في القران والسنه النبوية واللغه العربية والابداع والإنتاج الدعوي والإجتماعي والخطابة وترتيل القرآن ..
أما في عامها الثاني فقد رعى الرجل الأول في المنطقة الشرقية صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف "أمير المنطقة الشرقية" حفل الجائزة وفي اليوم التالي للحفل استضاف سموه ضيوف الجائزة ومؤسسها ليعطي رسالة واضحة في دعم هذه المبادرات الخيرة .
ووضعت الجائزة نصب عينيها هدفا استراتيجيا تسعى لتحقيقه في القريب العاجل إن شاء الله وهو التوسع الجغرافي حيث يبذل القائمون على الجائزة كل الجهود والإمكانات لتصل الجائزة الى كافة مدن ومحافظات المملكة العربية السعودية ثم لتصل الى أبعد من ذلك وتشمل العالم العربي والاسلامي بإذن الله تعالى .
وهنا وسط هذه الخطوات الباهرة والمتتالية لما حققته الجائزة من نجاح متواصل وجد سعادة الشيخ أن كلمات إبنه قد أصبحت حقيقة بعد وفاته حين قال له : يا والدي أعدك أن أرفع رأسك في يوم من الأيام ، وأثبت لوالده أنه رفع رأسه فعلا حتى بعد مماته وقال الشيخ السويدان (لقد رفعت رأسي يا ولدي) ، مما يجعلنا نضع مفهوما جديداً عن الصدقة للميت وهو " أو أب صالح يعمل له " .
كلمات أهديها لأعز الرجال وأغلاهم على قلبي صديقي وشيخي واستاذي سعادة العم أبو محمد حفظه الله الشيخ بدر بن عبدالله السويدان :
فاضت قرائح شِعرك سيدي برثاء حبيبك وحبيبنا ولدكم عبدالله "يرحمه الله" ، فقلت في رثائه ما أدمع العين وإنا على فراقك يا عبدالله لمحزونون
كَتَبْتَهُ الحزن والصبر والايمان بالقضاء والقدر
كَتَبْتَهُ العين والشوق وسهرات السمر
بكيتَه حتى جفت مدامع عينك والنظر
بكتك عيون والديك يا عبدالله لأنك فارقتها جد مبكرٍ
وفاضت القلوب لوعة وتألما لما لك فيها من هوىً متجذرٍ
في قلب والدك الحنون غصةٌ على فراق العزيز الغالي مجبرٍ
وأمك من عمق المصاب كئيبةٌ في قلبها جرح كطعنة خنجرٍ
وحين احتساء الكأس لا لم تخير فقضاء الله لا يسأل ولا يزِن
في 10-2-2011 وهي الذكرى الأولى لوفاة الشاب عبدالله بن بدر السويدان ، كتب والده سعادة الشيخ بدر يرثي ولده تحت عنوان "عام مضى" وكنت سعيد الحظ إذ تشرفت بزيارة مكتبه آنذاك وبعد استقباله لي أطلعني على ما خطّته يداه وما فاضت به قريحة شِعره لولده عبدالله "يرحمه الله" واطلعت على مسودة الرثاء التي كتبت على أوراق مبعثرة على سطح المكتب محفورة في قلبه مخطوطة بيده مستسلماً لقضاء الله وقدره عافياً لوجه الله تعالى عن السائق الذي تسبب بوفاة ولده في الحادث المروري، كلمات أدمعت عيني وقلبي فالمجاهر ليس كالمخابر حيث قال:
الحمد لله رب العالمين و «إنا لله وإنا إليه راجعون» وسبحان الله مقدر الأقدار محدد الآجال والأعمار . مضى عام على فراق ابني الغالي عبد الله أجمل الأسماء (وأحبها الى الله) والصفات من دين ونبل وأخلاق وزهد وتواضع وبر بالوالدين وصلة بأهله وأصدقائه وزهده.
كانت قد اجتمعت فيه جميعها بمزيج جميل جدا. عاش بيننا وأسعدنا سبعة عشر عاما وستة أشهر ، ورغم صغر سنه كان واضحا عليه كل قسمات الرجولة الحقة والحكمة، وقدر الله وأخذ أمانته في مثل هذا اليوم، حيث كان سببها خطأ سائقه الخاص، وسبحان الله مقدر الأسباب. فلم يمنع القضاء والقدر جميع احتياطات السلامة التي قد يؤمنها اي والد لابنه، ومع ذلك يفقد فلذة كبده، ونحتسبه عند الله في جنات الفردوس الأعلى بإذن الله تعالى، حيث الحياة الأبدية.
والله نسأل ان يكون ممن قال فيهم في محكم آياته : (ان المتقين في جنات وعيون * ادخلوها بسلام آمنين * ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين * لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين) صدق الله العظيم.
مر عام وبحمد الله كنت أسمع فيه ما يثلج الصدر من الصديق والزميل والمعلم والجار عن حسن معاملته وطيب أخلاقه رغم يقيني بذلك.
لله ما أعطى ولله ما أخذ ولله ما أبقى.
ما دريت انك يا عبد الله بتروح.
فكرت ان العمر بحول الله في أمان.
ما حسبنا نقضي عمرنا ناقصا دون
فرحة العمر اللي نظرناها زمان.
يا حبيب الروح يا ذيك العيون.
يا طبيب القلب وجراح الهموم
وين ضحكتك وتعليقك والبطولات
بتكون وين كلمتك عادي شباب
وعندما أصيب مطرف بن عبد الله في ابن له قال:
صبرت فكان الصبر خير مغبة
وهل جزع يجدي علي فأجزع
ملكت دموع العين حتى رددتها
الى ناظري فالعين في القلب تدمع
فسبحان الله عندما ذكر في محكم آياته في سورة البقرة عن شدة الابتلاء والامتحان في فراق فلذات الاكباد، وعظيم أجر الصبر للوالدين على هذا البلاء العظيم.
أسأل الله ان يشفع فيه نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) وان يجعل قبره روضة من رياض الجنة ويفسح له فيه وان يملأه نورا وسعادة ورضا من فاطر السموات والارض وان ينقله الى جنات الخلود ويجمعنا معه في الفردوس الأعلى اللهم آمين.
إن بعض العقبات التي تمر بنا في حياتنا تجعل لنا هدفاً جديداً في حياتنا لم يكن موجوداً ولم يكن بالحسبان وتزيد من صلابتنا وتدفع بنا قدماً نحو الأمام .
وتجعل البعض منا يكرس جهده ووقته وماله لمساعدة المحتاجين ودعم طالبي العلم وهذا ما قام به الشيخ بدر السويدان الذي بات يكرّس جهده ووقته في كيفية تعليم الناشئة من أبناء المسلمين القرآن الكريم والسنة النبوية واللغة والادب الاسلامي إضافة الى الموهبة والإبداع مكرسا حياته وماله وجهده في الأجر والثواب من الله عز وجل لولده الشاب المتوفي يرحمه الله .
أدعوا لسعادة العم الفاضل الشيخ بدر السويدان والفاضلة حرمه " أم محمد" ، في الذكرى الخامسة لفقدانهما أغلى الأحبة ولدهما عبدالله يرحمه الله ، أن يلهمهما الله جميل الصبر والسلوان وأن يحفظ لهما ولدهما محمد بدر السويدان " أبو بدر" وحفيديهما بدر وفهد وابنتهما سعادة الأستاذة هيفاء بدر السويدان أمين عام جائزة الشاب عبدالله بن بدر السويدان رحمه الله للتميز وكافة شقيقاتها .
كما أدعو الله أن يشدد بالأستاذ محمد بن بدر السويدان عضد والده وأن يعينه به على حاجته ويجعله عونا له ، وأن يجعل لهما الذكر الجميل في الدنيا والآخرة وأن يجمعنا وإياهم بالفردوس الأعلى برفقة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم ، فإني أحب مجاورتهما في الدنيا والآخرة.
اللهم وسّع لشيخي كلّ طريق، ونجّه من كلّ همٍّ وضيق، واجعل له بركة في العمر وصحة في الجسم وسعة في الرزق وتوبة قبل الموت وشهادة عند الموت ومغفرة بعد الموت وعفوا عند الحساب وأمانا من العذاب .
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف
الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آلة وصحبة
أجمعين