منذ أن قرر شباب اللاجئين في مخيمات غزة والأردن وسوريا ولبنان ، إستعادة هويتهم الوطنية الممزقة ، إنعكاساً للمستجدات المدمرة التي طرأت على وطنهم فلسطين ، الذي إنقسم إلى ثلاثة أجزاء ، بين ثلاثة دول ، وثلاثة أنظمة ، وثلاث هويات : إسرائيلية من بقي في منطقة 48 ، وأردنية من بقي في الضفة والقدس بعد وحدة الضفتين الأردنية والفلسطينية ، والثالثة غزاوية من بقي في القطاع تحت إدارة الجيش المصري .
ومنذ أن قرروا ، العمل من أجل تحرير وطنهم ، فلسطين ، ومطالبتهم تنفيذ قرارات الأمم المتحدة لعودة اللاجئين الفقراء المعدمين إليها ، وإستعادة ممتلكاتهم فيها ومنها وعليها ، المنهوبة من مؤسسات وأدوات المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، تشكلت منظمة التحرير عام 1964 ، كإطار ومؤسسة وقيادة العمل ، لمجموع المكونات الفلسطينية من مختلف تجمعاتهم وبلدان شتاتهم ، ونالت الإعتراف الوطني ، والعربي القومي ، والدولي التقدمي ، على أنها الممثل الشرعي الوحيد للشعب العربي الفلسطيني ، وعليه نالت موقع المراقب لدى الأمم المتحدة عام 1974.
وعلى أثر الإجتياح الإسرائيلي ، إلى لبنان عام 1982 ، وصمود بيروت ، وتشتت القوات الفلسطينية بين البلدان العربية من الجزائر حتى اليمن ، ركزت الفصائل الفلسطينية عملها داخل وطنهم المحتل وبين مسامات شعبهم ، الذي إستجاب ، وأثمر ذلك عن إنفجار الإنتفاضة الشعبية عام 1987 ضد جيش ومؤسسات الإحتلال ، أجبرت إسحق رابين على التوصل إلى إتفاق أوسلو عام 1993 ، وإعلان الإعتراف الإسرائيلي الأميركي ، بالعناوين الثلاثة : بالشعب الفلسطيني ، بمنظمة التحرير ، وبالحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني ، وجرى الإنسحاب الإسرائيلي التدريجي من المدن الفلسطينية بدءاً من غزة وأريحا أولاً ، وعودة الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى فلسطين ومعه قيادات ومؤسسات منظمة التحرير بإستثناء المجلس الوطني ، والدائرة السياسية ، والصندوق القومي ، وأكثر من ثلاثمائة الف فلسطيني ، عادوا إلى وطنهم ، خلال خمس سنوات في الفترة الواقعة ما بين 1994 – 1999 .
بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد في شهر تموز 2000 بين أبو عمار ويهود براك بواسطة الرئيس الأميركي كلينتون والتي إستهدفت معالجة قضايا المرحلة النهائية ، القدس واللاجئين والمستوطنات والأمن والإنسحاب وغيرها ، إنفجرت الإنتفاضة الثانية في شهر كانون أول من نفس العام ، أدت إلى دفع شارون مرغماً نحو ترك قطاع غزة ، وفكفكة المستوطنات ، وإزالة قواعد جيش الإحتلال خلال عام 2005 .
وخلال تلك السنوات وما تلاها ، حصل الفلسطينييون على العديد من القرارات الدولية في طليعتها قرار حل الدولتين 1397 ، وقرار خارطة الطريق 1515 بخطواته الثلاثة لتحقيق الإنسحاب الإسرائيلي ونيل الإستقلال ، وصدر هاذين القرارين بموافقة الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية وإقتراحاتهم ، وصدر قرار لاهاي عن محكمة العدل الدولية يوم 9 تموز 2004 بشأن جدار الفصل العنصري ، وأثاره المدمرة على حياة الفلسطينيين ، وإلزام إزالته ، وقد ترافق مع سلسلة من التجارب التفاوضية الفاشلة برعاية الولايات المتحدة من كامب ديفيد في عهد ورعاية كلينتون 2000 ، وأنابوليس 2007 بعهد وولاية بوش ، إلى واشنطن بعهد ولايتي أوباما الأولى والثانية 2009 - 2014 .
وخلاصة ذلك يمكن تسجيل ما يلي :
أولاً : بدون تضحيات ونضال ومواجهة ضد الإحتلال ، لم يتم الإعتراف الإسرائيلي ومن ثم الأميركي بالعناوين الثلاثة : الشعب والمنظمة والحقوق ، والإنسحاب التدريجي من المدن من غزة وأريحا أولاً عام 1994 ،وولادة السلطة الوطنية كمقدمة لقيام الدولة ، وبدون التضحيات لم يكن ممكناً ترك قطاع غزة من قبل الإسرائيليين جيشاً ومستوطنات ومؤسسات عام 2005 .
ثانياً : وإعتماداً على هذا النضال بشكل أساسي ، وبالإستناد إلى نتائجه ، مترافقاً مع واقعية البرنامج الوطني الفلسطيني ، ووحدة مؤسسات منظمة التحرير التمثيلية ، حصل الفلسطينيون على سلسلة من القرارات الدولية الهامة والمنصفة وأخرها قرار الجمعية العامة رقم 19/67 الصادر يوم 29/11/2012 ، والمتضمن منح دولة فلسطين مكانة العضوية المراقبة لدى الأمم المتحدة .
ثالثاً : لم يستطع الفلسطينيون نيل حقوقهم بعودة اللاجئين وفق القرار 194 ، وبإقامة الدولة المستقلة وفق قراري التقسيم 181 وحل الدولتين 1397 ، أو تنفيذ أي من القرارات الدولية وخاصة قرار الإنسحاب وعدم الضم 242 ، ويعود ذلك ليس فقط إلى تعنت وتصلب الإسرائيليين ، وعدم رغبتهم في التوصل إلى حل واقعي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، بل يعود ذلك إلى الإخفاق الفلسطيني في جعل مشروع الإحتلال التوسعي الإستعماري مكلفاً ، ليس فقط مادياً ، بل وسياسياً وأخلاقياً وإنسانياً ، تُرغمه على التراجع والإنحسار والأذعان لتلبية حقوق الشعب الفلسطيني كما جسدتها قرارات الأمم المتحدة .
لقد سبق للفلسطينيين رغم إمكاناتهم المتواضعة ، أن أرغموا عدوهم الإسرائيلي على التراجع مرتين ، رغم إمكاناته المتفوقة بشرياً وسياسياً وإقتصادياً وعسكرياً وتكنولوجياً وإستخبارياً ، وتم ذلك على أرضية صمود الفلسطينيين وبسالتهم النضالية ، التراجع الأول تم بفعل الإنتفاضة الشعبية المدنية الأولى عام 1987 ، وجاءت ثمرتها عام 1993 ، على يد إسحق رابين ، في التوصل إلى إتفاق أوسلو ، والتراجع الثاني تم بفعل الإنتفاضة الثانية شبه المسلحة عام 2000 ، حيث نالوا ثمرتها عام 2005 على يد أرئيل شارون ، بالإنحسار عن قطاع غزة ، كي نصل إلى الخلاصة والفائدة أن تلازم الفعل الكفاحي المشروع على الأرض في مواجهة الإحتلال ، مع النشاط الدبلوماسي لتوسيع شبكة الأصدقاء على المستوى الدولي ، ونيل المزيد من الإعترافات والقرارات الدالة على عدالة الحقوق الفلسطينية هما اللذان يوفران البيئة المناسبة لإستعادة حقوق الشعب العربي الفلسطيني ، والمتمثلة بالهدفين : 1- إقامة الدولة المستقلة وفق القرار 181 ، 2- عودة اللاجئين إلى بيوتهم وفق القرار 194 .
h.faraneh@yahoo.com