في ذكرى عيد ميلادك يا سيدي، تمر بخاطري سنوات العمر التي عشناها نعمل بمعيتكم كشريط الأخبار.. يختزل كل السنين ببضع دقائق.. حلوها ومرها.. صيفها وشتائها.. خريفها وربيعها. سنوات مضت كلمح البصر وكأنها بالأمس.. كنا خلالها نعمل بمعيتكم.. ونصل النهار بالليل.. نحاول اللحاق بكم. فقد كانت خطواتكم سريعة.. وطلباتكم لا تنتهي.. حتى إن أحد مديري مكتبكم كان يقول لي إذا جلستَ بمعية سمو الأمير في اجتماع أو لقاء مع آخرين فحاول أن لا تنظر إلى سموه.. سألته: لماذا؟ قال: سيكلفك بمهمة فوراً.. فنضحك، ونستعرض معاً مائة تكليف وتكليف.. لم تخطر على بال أحد.. ولم يكن يحلم بها المكلف.
حقاً يا سيدي كان العمل بمعيتكم ممتعاً، وكان مدرسة ما بعدها مدرسة.. لقد تعلمنا منكم كيف نسمو على صغائر الأمور، وكيف نكون كباراً في سلوكنا وتصرفاتنا وأقوالنا. علمتنا أن نكون رجال دولة، لا رجال وظيفة ومنصب.. علمتنا أن رجل الدولة للوطن كله.. شرقه وغربه، شماله وجنوبه.. لا يتكبر ولا يتجبر ولا يمشي في الأرض مرحاً ولا يختال ولا يتفاخر.. وعليه أن يكون صادقاً لا كاذباً، صريحاً لا منافقاً.. علمتنا التواضع والتسامح واحترام الصغير مثل الكبير والفقير مثل الغني.
حقاً كان العمل مجهداً وأحياناً مرهقاً، لكن كنا نشعر بسعادة ونعمل بمحبة لأن إنجازاً قد تم.. وخدمة للعرش والوطن قد قمنا بها. كنا نفخر ونعتز بما نقوم به.. ذلك أن أي واحد منا لم يكن ليفكر بنفسه لتحصيل مكسب أو مغنم.
علمتنا أن الإخلاص بالعمل، ورفع الظلم عن المظلوم والمقهور، وإعادة الحق إلى أصحابه، وتلمس حاجات الناس والمحتاجين، وأن سيادة القانون وترسيخ مفهوم المواطنة وتطبيقه.. هذه كلها الأساس في بناء الوطن وتثبيت دعائمه، وهي الأساس في وحدة أبنائه جميعهم. وهكذا يا سيدي كنا نشعر ونحن نعمل بمعيتكم، بأننا لسنا موظفين عاديين، بل أصحاب رسالة يريد سموكم إيصالها لكل الناس. ليس هذا فحسب.. فقد علمتنا أن لا وقت للهو.. فالوطن بحاجة إلى كل ساعة عمل لكي نلحق بركب من سبقونا. كنت يا سيدي تحلم "ومن حقك أن تحلم" بأن يقتدي الأردن بسنغافورة وماليزيا مهاتير محمد.
لقد علمتنا أن هناك احتلالاً لأرض عربية، وأن القدس يجب أن تتصدر جدول أعمال المفاوضات لا آخره.. كنت تحارب الاستيطان الإسرائيلي وسميته بمسماه الحقيقي "الاستعمار والمستعمرات" بدلاً من الاستيطان والمستوطنات، مركزاً على إقناع القاصي والداني بأنه العقبة الكأداء أمام السلام.
سيدي سمو الأمير،
كلما جاء عام وغادر عام.. والعمر يمتد بين فرحه وحزنه.. وألمه وسعادته.. نتذكر دعوتكم الدائمة بأن نمضي قدماً إلى الأمام وأن لا ننظر إلى الخلف كي لا نراوح مكاننا.. كنت تدعونا أن ننسى ساعات الحزن والألم ونبحث عن الفرح دائماً، وتقول: هذه سُنّة الحياة.. سيمضي كل شيء، وكل منصب زائل ولا بقاء إلا لله وحده.. فالإنسان لا يترك إلا عمله.. فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره.
سيدي سمو الأمير،
في عيد ميلادكم، نستذكر كل العطاء والوفاء والتضحيات التي قدمتموها للعرش والوطن في جميع المجالات.. نستذكر نكرانكم للذات وكل أيامكم في حلكم وترحالكم. أجل يا سيدي، كنتم مدرسة وجامعة انتظمنا فيها من التمهيدي وتخرجنا منها نحمل أعلى الشهادات. فهنيئاً لكم على كل ما قدمتم وتركتم من أثر طيب وتاريخ مشرف، ليقتدي بسموكم كل الغيورين المخلصين لأمتهم ووطنهم.
سيدي،
كل ما نتمناه هو أن يكون الأردن وقيادته الهاشمية وسموكم بخير.. وكل عام وأنتم والعائلة الكريمة بألف خير.