اخبار البلد
إضاءة على رواية "أخاديد الأسوار" للروائية المغربية الزهرة رميج
بقلم : صابرين فرعون
تُصنف الرواية ضمن أدب المعتقلات حيث تقوم الزوجة المغربية "الذات الساردة" في الرواية بنقل تجربة زوجها في الاعتقال , و تُعد الرواية وطنية رومانسية من منطلق الحديث عن الانتماء الوطني الحزبي الذي أودى بالزوج المغربي "العراقي العائد إلى وطنه" , ومن خلال المشاهد الحميمة ووصف الطبيعة وتوعية أفراد الأسرة للأساسات التي تقوم عليها العلاقة الزوجية من تفاهم وحب وثقة .
كذلك تُصنف الرواية في أدب الرسائل الشخصية حيث هناك خطاب وتفاصيل يتم ذكرها بين المرسل "الزوجة" والمرسل إليه "الزوج" الذي خاطبته دائماً بضمير الغائب موضحة الآثار النفسية التي تتسبب بها تجربة الاعتقال والتعذيب بعد انتهائها فلا يتم ممارسة الحياة بالشكل الطبيعي للمعتقل سابقاً كما باقي أفراد المجتمع مما ينعكس على المقربين وأفراد أسرته , كذلك كان للجد "شخصية ثانوية" دور في النزعة القومية والبناء الفكري للزوج حينما كان يحكي له وهو طفل, يخبره عن معاركة الإسبان من خلال قبائل التسول والبرانس ورياغل وبني مما أعطى بعداً تاريخياً للرواية .
نزف الذاكرة على الورق هو أصعب مراحل الكتابة فهو يتطلب من الكاتب معايشة الواقع بأدق تفاصيله لرسم المشاهد بالانحياز للفطرة الإنسانية والضمير الحي والمحاسبة والمساءلة وطرح تساؤلات كما حدث مع أ. رميج : ما الحرب ؟ أهي على الدم أم من أجل قدسيته وحرمته ؟ ما ذنب الأبرياء في دفع الثمن ؟ ما هي معايير ثقافة الفرد أم أنه مقيد بأن يكون مُسيراً ومُسيساً كما قطيع الماشية؟ وهنا كان الألم يستنزف من الكاتبة والقارئ ما يكفي لإدراك قيمة الحياة التي لا يعلم الإنسان كيف ستكون نهايتها :
مرض, قتل , حسرة الفقد والخسارة ...
ارتكزت الرواية على تقنية أساسية هي التخييل الأدبي فالروائية تقوم بإجراء محاكمة أدبية وعقلية لكل مرتكبي جرائم الحروب وبالتالي هذه المحاكمة ليست من أجل سنوات الجمر والرصاص فقط وإنما لمحاكمة الماضي والحاضر الذي يعيد نفسه وبصفة وحشية أكبر من المرات السابقة .
تشير الأحداث والهوية التي رسمتها أ. رميج لشخصيتيها الرئيسيتين في الرواية وتسرد من وتوضح الحيز الزمني للرواية :الاعتقال في فترة السبعينات في المغرب فيما عُرف ب سنوات الجمر والرصاص.. أما عن الحيز المكاني فأعطته شكلاً ثانوياً "جزئياً" كمدن مغربية مثل : أكنول,أجادير,الحسيمة .
الحبكة المركبة كانت من خلال تقنية الاسترجاع الفني في سرد التفاصيل من النهاية من خلال زيارتها للسجن الذي اعتقل به زوجها وأخذت الأحداث بالتصاعد لذروتها في تذكر التفاصيل إلى أن أوجدت انفراجاً من خلال الحمام التركي حيث اغتسلت الزوجة من ذلك العصف الباطني للعقل والمشاعر كي تنصف الزوج الذي غُيِّب في المرة الثانية بالموت لعدم قدرته على تخطي ظلمة جدران المعتقل وعنجهية السجان وعدم قدرته على التأقلم مع الفقر والقهر الذي يسود المجتمع خارج السجن .
سلطت الرواية الضوء على قضايا مهمة منها : السجون السرية والمعتقلات , بعض العادات التي تسود المجتمع المغربي كالقيمة التاريخية ليومي السبت والأحد , وطبيعة العلاقة الزوجية في المجتمعات العربية من تسلط الرجل والتضحيات التي تُقدم في سبيل نجاح العلاقة ووفاء المرأة لقلبها وعزمها على الانتقام لكرامتها .
وظفت الكاتبة ثقافة الموسيقى والطرب الغنائي من زمن أصيل وطابقته مع المشهد الوصفي , ممثل بأغنيتيَّ "ليت للبرَّاق عيناً" و"مايحانة" وأسطوانات لسليمة مراد,وحيدة خليل, زهور حسين والموسيقى التركية ومجموعة "غياثة" والرقصات الحربية والرقص التراثي وإيقاع القصبة والكلال , وقامت بدمج ثقافتين تخدمان موضوعها عن الاعتقال مشيرة لتزاوج الحضارات والتي تمثلت "بالعراق والمغرب" موضحة نقاط التقاء وتقاطع الفن بالسياسة كأيدلوجية أن الأولى تخدم الثانية . اعتمدت أسلوب تكرار الألفاظ لتوكيد المعنى كما في : مرات ومرات ومرات,مفقود مفقود مفقود , واعتمدت أسلوب الخوارق والتمني في قلب عجلة الزمن كما في ص5 :"سألبس طاقية الإخفاء , سأنتعل أحذية الجن , سأستعير أجنحة البرّاق" من أجل قلب الأحداث في الواقع لتمحو ثقافة الشر والقتل والأسر والمرض والألم...
وظفت ميتافيزيقية الألوان والأرقام في رسم أبعاد أيدلوجية ونفسية لشخصية الزوجة , كذلك جمعت بين نقيضين في عوالم "البحر والسجن" يعكسان الوعي التأملي في الأمور , فالبحر يعكس طبيعة المرأة التي تثور وتتألم وتغضب لكرامتها ,أما السجن ذلك الذي أخذ منها رجلها وخطف منه إنسانيته وإحساسه وعقله فغيبه وهو حي .
عكست الرواية ثقافة الكاتبة من خلال أمثلة طرحتها في الرواية مثل : "المعبد وأوزوريس" ورواية "حمار ميت" للروائي عزيز نيسين ..
رواية "أخاديد الأسوار" بطبعتها الثانية صدرت حديثاً عن دار فضاءات للنشر والتوزيع الأردن .