خاص - يمثّل صندوق توفير البريد واحداً من أقدم الأذرع المالية التابعة للدولة، إذ تأسس ليكون أداة وطنية لتعزيز ثقافة الادخار وتوسيع مظلة الخدمات المالية للمواطنين، خصوصاً من الفئات غير المصرفية، كما وأن من قيمه المؤسسية الشفافية والنزاهة والتحسين والتطوير المستمر والمحافظة على المال العام، ورغم هذه الخلفية الوظيفية المهمة إلا أن الصندوق يواصل العمل دون مدير عام، في واحدة من أطول حالات الشغور الوظيفي على مستوى المناصب القيادية في المؤسسات العامة.
فهل تدركون أهمية هذا الصندوق للوطن والمواطن؟ هل يعقل أن يبقى هذا البنك الصغير دون رأس هرم على الرغم من أن هناك حاجة ملحة لتنصيب مدير عام له بدلاً من أن يتولى المنصب مدير عام بالوكالة!
غياب المدير العام لا يمكن قراءته على أنه مجرد نقص إداري تقني، بل بات يعكس غياباً واضحاً في الإرادة المؤسسية للإصلاح أو التطوير، ففي كل مؤسسة عامة يُعد وجود مدير عام بمثابة المحرّك التنفيذي الذي يربط الرؤية بالواقع ويقود التحول ويتحمل المسؤولية أمام الجهات الرقابية والمواطنين على حد سواء، وما يحصل اليوم في صندوق توفير البريد ليس مجرد تأجيل في التعيين، بل تعبير عن حالة جمود مؤسسي، واللافت في الأمر أنه تم مقابلة عدد لا بأس فيه من المتقدمين لهذا الشاغر إلا أن الهرم لا يزال بلا رأس وأسئلة عديدة تراود العقل..!
عندما تستمر مؤسسة ذات طبيعة مالية ومخزون ادخاري معتبر دون قيادة مباشرة، لا يمكن لمؤسسة كهذه أن تكتفي بإدارة أعمال يومية دون خطة طويلة الأجل، أو أن تعتمد على إدارة بالوكالة تكون محدودة الصلاحيات أو خاضعة للاعتبارات الظرفية.
الأخطر أن هذا الوضع يخلق بيئة إدارية رمادية قد تضع الموظفين والمواطنين في حالة انتظار دائم وتفرغ أي مبادرة تطويرية من مضمونها ما يؤدي إلى تراكم الإشكالات بدلاً من حلّها.
ويظل السؤال مفتوحاً.. لماذا لم يتم تعيين مدير عام لصندوق توفير البريد حتى الآن ولم يتم اختيار شخصاُ من المتقدمين لهذا الشاغر؟ وهل يمكن لمؤسسة بهذا الحجم والدور أن تستمر دون رأس هرم وسط بيئة مالية تنافسية ومعقدة؟ وما هو الثمن الذي قد يُدفع نتيجة هذا التباطؤ؟ ومن المسؤول؟
فإن الوقت وحده كفيل بالكشف عن الإجابة لكن المؤكد أن الصمت إزاء هذا الملف لا يُلغي الأسئلة بل يعمل على مضاعفتها.