في كل عقيدة من العقائد، دينية أو سياسية، صحيحة أو فاسدة، ثوابت لا تتغير، طالما كان هناك من يعتقد بهذه العقيدة وينتمي إليها. و ثوابت أية عقيدة من العقائد، ترتبط ـ عادة ـ بالمقاصد العليا لهذه العقيدة.
ولما كانت الصهيونية هي عقيدة الحركة اليهودية العنصرية، التي أقامت تحالفاً وشراكة وظيفية مع الاستعمار الغربي ضد وحدة العرب والمسلمين ونهضتهم، فإن بقاء وطن العروبة وعالم الإسلام ظعيفا مفتتاً ومفككاً، هو ثابت من ثوابت العقيدة اليهودية، وشرط من شروط تحقيق مقاصد هذه الشراكة بين اليهود وبين الغرب الاستعماري.
إن مساحة الكيان اليهودي الاستعماري هي قطرة في بحر الوطن العربي والعالم الإسلامي، وبقاء هذا الكيان مرهون بأمرين، أولهما: الدعم الغربي اللامحدود لهذا الكيان، بضمان تفوقه على محيطه العربي والإسلامي، وثانيهما: بقاء هذا المحيط العربي والإسلامي كيانات فسيفسائية وورقية تمزقها القطرية المتشرذمة، والخلافات التي يصنعها ويغذيها الصهاينة والاستعمار والعملاء.. فالتشرذم العربي والإسلامي هو الضمان لبقاء تفوق الكيان اليهودي الصغير على الجسم الكبير!
في ضوء هذا الثابت من ثوابت العقيدة اليهودية الصهيونية، يجب أن نقرأ الفكر اليهودي، الذي يتابع التخطيط والتنفيذ لبقاء العرب والمسلمين كيانات مفككة، ولإضافة تشققات جديدة إلى هذه الكيانات، وذلك عن طريق تفتيت هذه الكيانات ـ المفتتة أصلاً ـ بواسطة اللعب بأوراق الأقليات الدينية والقومية والعرقية والمذهبية، في طول وعرض العالم الإسلامي، من المغرب إلى باكستان. وهو المخطط المعلنة تفاصيله ومقاصده منذ إقامة الكيان اليهودي في أربعينات القرن العشرين ـ فهو ليس نظرية مؤامرة بل المؤامرة بعينها !
والذي يتابع الاستعمار، رعايته وتطبيقه، رغم اختلاف الملابسات، وحتى بعد أن دخلت العلاقات مع الكيان اليهودي في مرحلة «التسويات»، وما يسمى بـ «التطبيع» و«السلام» (أي الاستسلام)، فنحن أمام ثابت من ثوابت العقيدة اليهودية الصهيونية، يبقى ما بقيت الصهيونية، وما بقيت أهداف المشروع الاستعماري اليهودي الذي قامت لتحقيقه .
ولقد كان «المستشرق» اليهودي الصهيوني برنارد لويس، الذي بدل جنسيته وموطن إقامته، فأصبح أمريكياً بعد أن كان إنجليزياً، بعد أن أصبحت قيادة الاستعمار والرعاية للصهيونية بيد أمريكا ـ بعد تفكك الامبراطورية البريطانية ـ كان برنارد لويس أول من خطط وأعلن المشروع التفصيلي لتفتيت كيانات العالم الإسلامي، على أسس دينية ومذهبية وعرقية ـ إثنية ـ منذ إقامة "إسرائيل"، كشرط لبقاء "إسرائيل"!
ولقد نشرت له هذا المخطط مجلة «البنتاجون»!. نعم، مجلة البنتاجون، التي تصدرها وزارة الدفاع الأمريكية. وفي هذا المخطط التفكيكي، يدعو برنارد لويس، إلى إقامة أكثر من ثلاثين كياناً سياسياً جديداً، تضاف إلى التجزئة التي أحدثتها اتفاقية «سيكس بيكو» 1916. أما مقاصد التفتيت بالنسبة لـ"إسرائيل"، فيعلنها هذا المستشرق الصهيوني صريحة، عندما يقول: « ونظراً لأن كل كيان من هذه الكيانات سيكون أضعف من "إسرائيل"، فإنها ـ "إسرائيل" ـ ستضمن تفوقها لمدة نصف قرن على الأقل»، فهل نعي ما يحدث على أرض الواقع، في ضوء ثوابت العقيدة اليهودية الصهيونية؟