تتحدث الأرقام الصماء عن حجم الفقر ، في الأردن ، النسبي والمطلق والمدقع ، ويضع خبراء الأقصاد في ضوء قراءة إحتياجات الإنسان اليومية أو الملحة ، البرامج والنسب المطلوبة ، ولكن الواقع يختلف عن الأرقام ، وعن نوعية الإحتياجات الملحة ، وعلينا بدون مزايدة ، أن نضع الأولويات الضرورية للإنسان ، وأن تعمل الحكومة على معالجتها ، بشكل تدريجي ، لتشمل المعالجة ، لكل الأردنيين ، في مواقعهم الأربعة ، أبناء الأحياء الفقيرة في المدن والأرياف والبادية والمخيمات.
ضرورات ثلاثة ، مطلوب أن تضعها الحكومة في حساباتها وبرامجها ، وسياق جداول أعمالها ، ومن موازناتها المتعاقبة ، كي نصل إلى حالة من الإستقرار والطمأنينة ، وراحة الضمير نحو المواطن الأردني ، الذي يستحق التقدير إلتزاماً لتلبية حقوقه ، طالما يقوم بواجباته ويلتزم بتأديتها ، ويمكن أن يتم ذلك بشكل تدريجي متعدد الخطوات ، إذا حالت إمكاناتنا المالية ولم تسمح بالوصول لهذا الهدف الأن .
أول الضروريات هي توفير راتب لكل موطن ، ودخل معقول ، عبر توفير فرصة عمل لكل من هو قادر على العمل ، في مؤسسات العمل الحكومي ، المدنية منها والعسكرية ، أو لدى القطاع الخاص ومن لا تتوفر له فرصة العمل ، مؤقتاً أو دائماً ، يجب توفير تغطية راتب معقول ودخل مالي ، من صندوق المعونة الوطنية له ولأسرته ، هذا هو الحق الأول ، الذي يجب أن يؤرق المواطن وكل من يتحمل المسؤولية ، في مؤسسات صنع القرار ، فرصة عمل لكل مواطن ، دخل مالي لكل مواطن بعد إجراء الدراسات الميدانية لكل أسرة ، ومن قبل أكثر من طرف ومؤسسة ، بما فيها جمعيات العمل الخيري كي يتوفر التعاون الضميري ، والعمل المشترك بين صندوق المعونة الوطنية والقطاع الأهلي الخيري في المحافظات ، ومن قلب المواقع ومسامات المجتمع ، بحيث لا يقطع راتب عن أسرة ، ولا يتم صرف راتب لأسرة إلا بقرار مشترك مبني على التعاون العملي والضميري بين الطرفين ، حتى لا تكون الواسطة والمحسوبية هي عنوان الخدمة ، وإذا لم يتوفر ذلك في بلدنا ، وضمن إمكاناتنا المتاحة ، فعلينا طرق أبواب بلدان الخليج العربي ، وتعميق العلاقة والثقة المتبادلة معها ، كي تفتح أبوابها للعمالة الأردنية ، وإعطاء الأولوية للأردنيين للعمل لدى الخليجيين ، وأن تتميز التابعية الأردنية ، بحرية الإنتقال والعمل في بلدان الخليج العربي الستة ، والحذر الوحيد المعيق للإنتقال وحرية العمل للأردنيين لدى الأشقاء هناك ، هو العامل الأمني فقط ، وطالما أن المواطن قادر على الحصول على شهادة حُسن السلوك الأمني ، من الأجهزة الأردنية المختصة ، يجب أن تتطور العلاقة والثقة بين الأردن وبلدان الخليج العربي ، كي تسمح للأردنيين بحرية الإنتقال للعمل في بلدان الخليج بدون إعاقة ، فالأردنيون أحق لهم بحرية العمل في بلدان الخليج العربي ، من عمالة بلدان جنوب وشرق أسيا ، الذين يحتلون الجزء الأكبر من وظائف العمل الأهلي الخليجي .
أما الحق الثاني فهو التأمين الصحي ، عبر تأمين العلاج لكل مواطن يحتاج للمعالجة ، ويمكن وضع رسوم رمزية للمعاينة ، وللتشخيص ، وللصور الأشعاعية ، وللعمليات الجراحية ، وكذلك للدواء ، فالعلاج ضرورة ملحة ، وعلى الدولة الأردنية ، أن توفر العلاج والتأمين الصحي لكل مواطن ، سواء عبر المستشفيات الحكومية ، أو مستشفيات القوات المسلحة ، ويجب وضع خارطة توزيع لهذه المستشفيات في محافظات المملكة وفق نسب عدد السكان ، كي تتوفر الفرصة لكل مواطن ، ويحظى بالعلاج المطلوب ، والتأمين الصحي شبه المجاني في المحافظات وأماكن الأكتظاظ السكاني .
أما الحق الثالث فهو الضمان الإجتماعي ، أو حماية المواطن عند الشيخوخة ، وأن لا يُترك الأباء والأجداد أسرى رغبات الأولاد والأحفاد ، ومدى إستعدادهم للتضحية من أجل الأباء والأجداد المحتاجين ، لتوفير متطلباتهم الأساسية ، ثلاثة مطالب أساسية وضرورية وهامة ، يجب أن تشملها الدولة بإهتماماتها ، وبلا تردد ، وبدون إعاقة .
توفير الراتب عبر العمل وصندوق المعونة الوطنية ، وتغطية التأمين الصحي والعلاج ، وأخيراً توفير الضمان الإجتماعي ، وتقاعد كريم لدى الشيخوخة سواء من مؤسستي التقاعد المدنية والعسكرية أو مؤسسة الضمان ، أو من صندوق المعونة ، هذا ما يحتاجه الأردني قبل الديمقراطية وحرية الرأي وتوسيع قاعدة المشاركة في مؤسسات صنع القرار ، فالمواطن الفقير والمحتاج ، لا يهمه لا الأحزاب ولا حرية الرأي ، ولا النظام الديمقراطي ، المطلوب أولاً لقمة العيش الكريم والإستقرار والطمأنينة ، ومن ثم ينتقل في خياراته إلى ما هو أرقى من ذلك ، نحو الديمقراطية والمشاركة السياسية ، وإن كانت حقوق الإنسان الأساسية ، لا تتعارض مع الحقوق السياسية ، وعلى الأغلب هي جزء منها ومكملة لها ، ولكن لدى الأنظمة المتطورة التي قطعت شوطاً عميقاً في العمل المؤسسي وفي الإدارة وتطبيق المعايير الدستورية الواجبة النفاذ .
h.faraneh@yahoo.com