اخش ما اخشاه ان يراهن البعض على "الوقت" لامتصاص احتجاجات الناس ومطالبهم ، او ان تستمر انظارهم امام الجزء الملآن من كأس الاعتصامات المتصاعدة التي نتابع حراكها في الشارع والانترنت ، على اعتبار انها تعكس الوجه الحضاري لبلدنا ، وتسمح للناس بالتعبير عن مواقفهم وعرض مطالبهم دون تضييق او منع ، فيما لا يلتفتون بجدية الى عناوين المشكلة الحقيقية ، او الى مضامين هذه الاحتجاجات ، لا فهما ولا معالجة ، ومصدر الخشية هنا هو اننا نمارس الاحتفاء بالشكل ونتصور اننا ننظر في الاتجاه الغلط ، ونمنح المطالبين والمحتجين وقتا اطول لتصعيد مواقفهم وتنظيم حراكهم ، وابداع صور جديدة من الاحتجاج.
هذا بالطبع ليس افتراضا او تصورا مسبقا لما يكون ولكنه جزء مما حدث ومما تصر للاسف على ان يكون ، خذ مثلا الاضراب الذي نفذه المعلمون في معظم مدارسنا أمس ، الم يكن السبب فيه هو تعاملنا مع الوقت لتسكين المشكلة وامتصاصها ، فماذا كانت النتيجة ، لقد ادرك المعلمون ان الحكومة غير جادة في الاستجابة لمطالبهم ، وانها تحاول شراء المزيد من الوقت لافقادهم عنصر المبادرة ، فتحركوا على الفور لاثبات حضورهم والمطالبة بحقهم في انشاء نقابة تنظمهم وتدافع عنهم ولم يجدوا إلا الاضراب وسيلة أخيرة لايصال صوتهم الى المسؤول.
خذ ايضا مسألة الاصلاح هذا الذي اصبح مطلبا شعبيا عاما ، ثم لاحظ كيف بدأت حراكاته ومطالبه ، وكيف امتدت وتوسعت الجهات التي تطالب به ، وكيف ارتفعت سقوفه ثم لاحظ ايضا كيف تعاملت الحكومة مع هذا الواقع ، وكيف احالت مشاريعه الى اللجان ، وكيف ارتبكت في ادارة هذا الملف والمشكلة دائما هو الرهان على الوقت ومحاولة استيعاب الحدث وامتصاصه والتعامل معه بمنطق التقسيط والتجريب هذا الذي لم يعد صالحا الآن.
مع عداد الوقت الذي يسير بسرعة جنونية ، نخسر كل يوم ، ونفتح الفرصة امام بروفات الاحتجاج لكي تتحول من صورتها الرمزية العفوية الى صور اخرى ، تبدو احيانا مقلقة ، والا كيف نفهم اضطرار المعلمين الى اعلان الاضراب عن العمل ، وقبلهم اضطرار سائقي الشاحنات الى ذلك وكيف يمكن ان نتعامل مع اضطرارات اخرى قادمة سمعنا بعض الدعوات اليها ، هل يتحمل بلدنا مزيدا من الاعتصامات؟
هل يتحمل اقتصادنا مزيدا من الاضرابات؟ هل يمكن ان نقدر ثمن استعصاء الاصلاح او تأخره؟ هل يجوز ان نستمر في مسلسل الاشادة بالاحتجاجات والمطالب ، والنظر اليها بعين التسامح وحرية التعبير ، دون ان نتفحص اسبابها وتداعياتها ، ودون ان نفكر بما تضمنه رسائلها من احتقانات وما تستدعيه من حلول سريعة؟!
ادرك تماما ان لدينا "موانع" تحول دون دخولنا الى العناوين الصحيحة للتتغير وادرك ايضا ان ثمة اعداء للاصلاح ، واخرين يحاولون ارباكه واختطافه او العبث به ، وان استخدام سلاح الوقت وصفة تجد من يدافع عنها ويتبناها ، لكن ما لا اعرفه ولا افهمه هو ألاّ تصدق عيوننا التي ترى هل ترى حقا ما يجري حولنا من احداث متسارعة ، وألاّ تسمع اذاننا هل تسمع حقا ما يصلنا من رسائل.. وان نبقى نتطلع ونصغي فقط الى النصائح المغشوشة.. هذه التي ما تزال تخوفنا من الاصلاح وتحذرنا من نتائجه الوخيمة!