قال«ونستون» يرى المتشائم الصعوبة في كل فرصة، أما المتفائل فيرى الفرصة في كل صعوبة, وقال«جبران» هناك من يتذمر لأن للورد شوكاً، وهناك من يتفاءل لأن فوق الشوك وردة, ونقول أحياناً يغلق أمامنا باباً لكي يفتح لنا بابا آخر أفضل منه، ولكن معظم الناس يضيع تركيزه ووقته وطاقته في النظر إلى الباب الذي أغلق، بدلا من باب الأمل الذي انفتح أمامه على مصراعيه, ..قُدمتْ نصيحة لأحد اليائسين في بداية«عام» جديد كان منها الكلمات الآتية: إذا كان الأمس ضاع فبين يديك اليوم, وإذا كان اليوم سوف يجمع أوراقه ويرحل فلديك الغد, لا تحزن على الأمس فهو لن يعود ولا تأسف على اليوم فهو راحل, احلم بشمس مضيئة في غد جميــــل.
توقفتُ يوما من الأيام أمام سؤال بسيط كان يدور حول, ما الفرق بين لفظ «عام» ولفظ «سنة»؟ أجبتُ نفسي على عجالة وأنا غير متأكد, أجبتُ أن اللفظين لهما نفس المعنى, ولا يوجد فرق في الاستخدام بينهما, ومشت الأمور وقتها, ..لكن بعد فترة من الزمن مررتُ على قوله تعالى (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف «سنة» إلا خمسين «عاما» فأخذهم الطوفان وهم ظالمون), توقفتُ عند هذه الآية لأجد أن هناك فرق شاسع بين اللفظين, ..في الآية الكريمة السابقة كان من الممكن أن يقول رب العزة تسعمائة وخمسون«سنة», فلماذا ألف «سنة» إلا خمسين «عاما» ؟ الجواب والله اعلم أن لفظ «سنة» تطلق على الأيام الشديدة الصعبة, أيام القحط, أما لفظ «عام» فيطلق على الأيام السهلة, أيام الرخاء والنعيم,أيام العطاء.
ودعنا «سنة» ماضية اتسعت فيها التحديات, وتوقفتْ فيها دقات القلوب, وغزتنا فيها ديدان الحمضيات (الكلمنتينا , المندلينا,..), «سنة» تخوّفتْ فيها أوراق الخريف من السقوط على الأرض, ..نعم «سنة» زوّروا فيها ملكة جمال العالم, وتلاعبوا حتى في جيناتْ أطفال الأنابيب, وعمقوا فيها لون ورائحة البارود, «سنة» تعبتْ معها عقارب الساعة,.. نزعوا فيها البراءة من وجوه الأطفال, والرحمة من قلوب الكبار, وتجلى فيها أطباء التجميل, وطاردوا فيها ملكات النحل, «سنة» كان فيها إراقة الدماء واضحة كلما انتقلنا من قناة إلى أخرى,..نعم سنة غاب فيها القمر خجلا وراء الشمس وتوارى في ظلها.
ودعنا«سنة» ماضية, لنستقبل«عام» جديد, عام نتمنى فيه شفاء لكل المريض, وعودة لكل الغائبين, وإنصاف لكل المظلومين, عام قمره بدرا, وأطفاله أبرياء, «عام» نصفقُ فيه لفوز ملكة جمال الأخلاق, «عام» تغادرنا فيه ديدان الحمضيات.., وتطمئن فيه ملكات النحل, ويخف معه إراقة الدماء, واغتصاب القاصرات, «عام» نوحد الله فيه عز وجل, ونرفع من شأن الإنسان, «عام» نتمنى فيه أن تعود طيور المساء إلى أغصانها التي اعتادتْ, ونتمنى فيه أن تبقى رسومات ألأطفال جميلة خالية من أي مظاهر العنف, نتمنى فيه أن تتقارب فئات وطوائف الأمة من خلال قيس ولبنى, أو من خلال مجنون وليلى, كل ذلك من اجل المحبة والتفاهم والتعايش بين الناس ليس إلا,..بقي أن نقول نتمنى من قلوبنا «عام» تفاؤل وأمل في أوطاننا بشكل عام, وفي أردننا الحبيب بشكل خاص.