تركنا هديك , ولهثنا وراء اهوائنا , كل يسير على هواه ويتبع من يحقق له مبتغاه , بدون مراعاة ولا احترام لشرع الله , لقد باتت الغايه تبرر الوسيله , والمنفعه الذاتيه هي اسمى الاهداف , ومقولة احب لاخيك ما تحبه لنفسك , ارث نتغنى به , فقد طغت الرأسماليه على حياتنا فكراً ومنهجاً وسلوكاً .
اخُوتنا وتماسُكنا ووحدة مصيرنا كأمه , كلها شعارات بروتوكوليه يتداولها ساساتنا في مؤتمراتهم ولقاءاتهم امام كميرات التلفاز فقط , وكلُ منهم يغني على ليلاه , في عالم يعج بصراع المصالح , حتى بات عالمنا العربي , عبارة عن بؤر صراع استنزفته , واصبحنا دويلات متفرقه , ليس بيننا جامع الا اسم العروبة والاسلام .
فما أشبه اليوم بالأمس ظلم واستبداد واستعباد وجهل وتفرقه عنصرية وتردي خلقي وانحطاط في كرامة الإنسان , وحروب ونزاعات وفقر، هذا هو حال عالمنا اليوم رغم ما يزخر به من تطور معرفي وتكنولوجي كبير.
هذا الحال الذي يعيشه عالمنا اليوم , ليس بغريب أو بعيد عن حال الجاهلية الأولى في الجزيرة العربية , فالعبودية والجهل وصراع القبائل واستبداد القوي بالضعيف , كان حال الجاهلية .
إلى أن انبثق فجر جديد بولادة سيد المرسلين (محمد) صلى الله عليه وسلم , والذي كان مولده نذيراً بزوال كل هذا الظلم , واستبداله بنشر الحق والخير والعدل بين الناس ، فاستطاع هذا النبي برسالته الربانية أن يجعل من الجزيرة العربية مركز انبعاث حضاري وثقافي ومسلكي إنساني النزعة , شمولي المنهاج , ملء الأرض بجميع قاراتها وأثر في حياة وفكر من تلقفه، هدفه إخراج الناس , جميع الناس من الظلمات إلى النور.
يقول"جون وليام" في كتابه التطور الفكري الأوروبي والذي صدر في لندن "ولد في مكة بجزيرة العرب الرجل الذي كان له من دون جميع الرجال، أعظم تأثير على الجنس البشري وهو محمد".
لقد أصبح هذا النبي الكريم برسالته الإنسانية الأكثر تاريخية بين جميع الشخصيات الدينية، هذه الرسالة التي انتشرت بالتسامح والمحبة ، والتي بدأها الرسول بتوجيه دعوات لزعماء الأرض للدخول في الإسلام , وبالطرق الدبلوماسية كما يسمونها اليوم , فدعا كسرى ملك الفرس وكذلك هرقل زعيم الروم , وغيرهم ممن كان لهم السيادة , وكان الهدف إنقاذ البشرية من الظلال والجهل والشرك وعباده الله الواحد الأحد، فلم يكن انتشار هذه الرسالة بالسيف والقمع كما يدعي أعداء الإسلام , فمبدأ لا إكراه في الدين , من المبادئ الأساسية التي قامت عليه الدعوة إلى الإسلام.
لقد جاء الإسلام على واقع رافق فيه سيادة ظلمات الجهل والتخلف والعبودية , سيادة ظلمات العلاقات بين الناس والتي كانت قائمة على الظلم والاستعباد والاستكبار ، وهذا الظلم لا زال للأسف قائماً في القرن الواحد والعشرين , ولكن بأشكال وقوالب جديدة من عبودية الدول القوية للضعيفة , وعبودية الاقتصاد القوي , وتحكمه بالضعيف , وعبودية العولمة بطغيان المعرفة على الثقافة واختراق الخصوصية الخلقية والقيمية بدون احترام , أو مراعاة لثقافة وقيم ومشاعر أصحابها , بداعي الحرية الفكرية ، وحرية الرأي والتعبير , إلي أن وصل الأمر إلى الاستخفاف بأنبياء الله من بعض الحثالة في الغرب ، والذي يعتبر خرقاً لكل ما يتشدق به هؤلاء , من احترام حقوق الإنسان , واحترام الحريات الدينية , والتي تكفلها المواثيق الدولية .
كل هذا يدعونا للوقوف صفاً واحداً وان نستذكر ما أرساه رسولنا الكريم من عدم القنوط والتواكل والانكسار , وان يكون دافعنا للعمل والإنجاز مبني على وعي جماعي , قوامه التعاضد والتكاتف والتآخي ونبذ الفرقة. وان نوظف لغة الحوار والإقناع لإيصال من نسعى لإيصاله , من خلال الدعوة التي يراد منها السيطرة على العقول والقلوب , بعيداً عن أسلوب الفرض والإجبار , الذي تنتهجه الهيمنة السياسية الغربية ، فلغة الحوار يجب أن تنسحب على الأفراد والجماعات , والمجتمعات , وبكل الوسائل , وبأسلوب حضاري يعتمد على احترام الرأي الآخر , وإيصال رسالتنا السمحة بأسلوب حواري مبني على فهم ووعي للآخر.
كذلك تكمُن مسؤوليتنا في تعليم أبنائنا سيرة نبيهم الكريم , لكي تعيش هذه الشخصية العظيمة في قلوبهم , فما جاء عن الرسول من قول أو فعل أو تقرير , يعتبر منهاج حياه ينير طريقنا ويحقق للجميع العدالة والحرية والسلام بعيداً عن المغالاة والتطرف , وان نتمثل سنته ومنهجه في جميع دقائق حياتنا يوماً بيوم , وليس في ذكرى يوم مولده فقط .
د. نزار شموط