تجالسهم فتتمنى أن تطول مجالسهم , تنصت إليهم بكل جوارحك, توظف أذنيك وكل أحاسيسك على أكمل وجه , وتحاول الإقتراب منهم لأنك تحرص أن تسمع كل كلمة من كلامهم ,تراقب حركاتهم وأحيانا تجد نفسك بغير قصد , تتحرك بنفس الحركة حين يتحركون إنسجاما مع حركاتهم وهي في الحقيقة إنسجام مع الكلم الطيب الذي يخرج من أفواههم, فالفم الطيب لا يخرج إلا طيبا.
أولئك هم أصحاب الكلم الطيب الذين يدركون أصول الحديث ومغزاه , ويعرفون تماما ماذا يريدون ,يتحدثون بكلام مفهوم ,كلام منتم , وينتقون الكلمات التي تؤدي الغرض دون حشو أو تكرار , فيوظفونها بمواقعها, ويعملون بقول العرب "خير الكلام ما قل ودل .
في المقابل هناك من يحشرون أنفسهم في المجالس, يبدؤون بالخطأ ,فيجلسون في المكان غير المناسب ,ويحشرون أنوفهم بالحديث, فينطقون كلمات لا تناسب المكان ولا تناسب الزمان . تتمنى لو يسكتون, فيستمرون, ويستمرؤن تعكير صفو الجلسات, فتخرج الكلمات من أفواههم ثقيلة ,عاجزة ,لا علاقة لها بأصول الحديث , فتكون عندئذ فرصة لمن أراد قضاء حاجة حتى يفرغون,لأنهم يتقولون ولا يقولون.
للكلمة وقع على النفس , فإما أن تتقبلها فتفرغ لها أكثر من مكان , تدخلها الذاكرة لتحفظها لقادم الأيام , وتدخلها العقل ليستثمرها في مجالس المحترمين من البشر , وترصد لها مكانا في القلب, إحتراما لقائلها وإجلالا لما حملته من معان , وإما إن ترفضها فلفظها ,وتلقي بها في وجه صاحبها ,فينشغل العقل محاولا نسيانها لما لها من وقع سيء على من سمعها .
الهدف والمكان والزمان, و شخوص المستمعين , أجناسهم , ومستوياتهم العلمية وثقافاتهم, وأعمارهم ,وإنتماءاتهم, أمور مهمة ومهمة جدا في أختيار الكلمات.إذ لا يمكن أن تخاطب كل الناس , كل الوقت على نفس الوتيرة وبنفس الطريقة . وأعلم أن ما يخرج من فيك من كلمات هو أنعكاس لدواخلك, فإن أردت أن يحترم الناس لسانك عليك أن تحترم أذانهم , وأعلم أيضا أن الصمت أحيانا من علامات الحلم وحفظ اللسان من علامات الوعي والإدراك.
نوعية العبارات والمفردات والجمل وطريقة الحديث هي دلالة, ومؤشر أساس من مؤشرات تقدم أو تخلف المجتمعات. وطريقة الكلام وحسن اختيار المفردات جزء من ثقافة المجتمع.