تُلخّص "كلنا معاذ" ردة فعل أكثرية الأردنيين على أخذ الضابط الطيار معاذ الكساسبة رهينةً عند التنظيم الداعشي بعد سقوط طائرته في الرقة أثناء أدائه واجبه الوطني صباح الأربعاء الماضي.
وفي ردة الفعل هذه دلالة على تماسك مجتمع أردني، ثبت أنه أكثر وعيا وصلابة مما يتمنى كثيرون ممن لا يفوّتون فرصة أزمة تمر بها المملكة حتى يبدؤوا يبثون سموم الفتنة، ويبشرون بتصدع الدولة وتدهورها نحو الصراع والانقسام.
هؤلاء مخطئون. هم واهمون.
تحليلاتهم انعكاسٌ لما يسكن قلوبهم الدَويّة لا لحال المجتمع الأردني، الذي أثبتت التجارب أن الأزمات توحده حول وطنه وقيمه وأمنه وسلامة أبنائه. هؤلاء لا يعرفون مكانة الجيش العربي في الوجدان الأردني، ولا مكانة التضحية قيمةً راسخةً في الوعي الشعبي.
ورغم أن هناك من يعارض مشاركة الأردن في التحالف العربي الدولي ضد الإرهاب، ذاك نقاش ليوم آخر. اليوم تتقدم سلامة معاذ الكساسبة على كل الاختلافات. الشعب يتضامن معه ومع أسرته. والدولة تبذل كل ما في وسعها من أجل إعادته إلى ذويه ووطنه سالماً شامخاً.
يغفل أصحاب التحليلات والآراء والبيانات المبشرة بالوهن والفتنة أن الشعب الأردني لم يبخل يوما بالتضحية من أجل أمن وطنه وقضاياه العربية، ومن أجل حقه وامتداده العربي العيش بحرية وكرامة. ويغفلون حقيقة أن الأردن لم يتخلَّ يوما عن أبنائه، ولم يترك من حاول إلحاق الضيم بهم بلا عقاب.
فالقوات المسلحة الأردنية هي الجيش العربي الذي اعتاد تقديم التضحيات منذ سار تحت راية الثورة العربية في معركة الحرية العربية الأولى. وهو الذي قدم الشهداء على أسوار القدس وفي اللطرون وباب الواد. ذاك هو الإرث الأردني الراسخ، لا تمحيه، قيماً وتاريخاً، أزمة مهما عظمت، أو ادعاء مهما كبر.
يبني الأردن على هذا الإرث ويستقي منه إذ ينخرط في معركة التنوير ضد ظلامية الإرهاب. يحاربه أمنيا وعسكريا ليبقيه خارج حدوده، ويتصدى له فكريا ليحصّن مجتمعه ضد ادعاءاته الباطلة. تلك معركة يدرك ضرورتها من عانى ويلات الإرهاب في جوارنا قتلاً وإذلالاً وتشريداً. ويعرف حتميتها الأردنيون الذين دفعوا ثمن همجيته حين تسللت يده إلى عمان ففجرت الأبرياء في العام 2005.
في هذه المعركة وفي ما سبقها من حروب، كان الجيش العربي درع وطنه وشعبه، وكان الأردنيون رديفه ومعه.
وطائرات سلاح الجو الأردني سلاح يحمي الوطن ويتصدى لأعدائه. تضحيات موفق السلطي وفراس العجلوني ورفاق سلاحهم دفاعا عن فلسطين تفنّد قول الذي ادعى أنها للاستعراضات العسكرية.
والجنوب الأردني ليس أحد أكبر خزانات التعاطف مع داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية كما ورد في مقال كُتب من على بعد ألوف الأميال عنه. جنوب الأردن خزان للوطنية الأردنية التي أنتجت قامات بحجم حابس المجالي يذكر كل الأردنيين صولاتها وتضحياتها في مناهضة الاستعمار التركي وفي الدفاع عن الأردن وعن فلسطين.
كربة معاذ هزت مشاعر الجنوب وكل بقاع الوطن تعاطفا ودعما وإسنادا له ولعائلته. هي أزمة فجرت دفقا وطنيا شاملا من الحزن والقلق والغضب عند أسرة أردنية واحدة تعتبر معاذا ابنا لها. وهذا موقف أردني يستنهض إرث التضحية والتعاضد والاعتداد ليهزم الأزمة كما هزم سابقاتها. وفي صرخة "كلنا معاذ" دلالات تغني عن أي رد لمن يتمنى غير ذلك.