قبل حوالي عشرين عاماً؛ أتذكر تلك الأيام التي قضيناها في المدرسة إبان المرحلة الأبتدائية، وأتذكر أسلوب التدريس الذي كان يتبعه المعلمون في الصفوف الأولى من الدراسة.
كانت مادة اللغة العربية تزخر بدروس المحفوظات التي يجب علينا أن نحفظها عن ظهر قلب، وأن تكون رفيقتنا طوال أيام حياتنا، وأتذكر كم المرات الكبيرة التي كنا نعيد فيها الدروس حتى نحفظها عن ظهر قلب.
درس "المحراث" التي أعدناه مئات المرات حتى خط درس المحراث نصه في رؤوسنا، ودرس "طفل يخاطب أمه" الذي ما زالت كلمات خطابه ترن في مسمعي حتى اليوم، ويرافق عادة عملية "تحفيظ" المحفوظات عدد لا بأس به من "الخماسيات" التي كنا نتلقاها على وجوهنا من أستاذنا، وكذلك يترك "بربيش الغاز" بعض العلامات على أيدينا.
العديد من الخطباء والمدرسين في المساجد هذه الأيام يعتبرون خطبة الجمعة ودرسها نوعاً من أنواع المحفوظات، والتي يجب على الناس الإستماع اليها مراراً وتكراراً حتى ترسخ في عقولهم وتتأكد في أفئدتهم.
في كل اسبوع أصبحنا نذهب الى صلاة الجمعة ونحن نستحضر كلمات الخطيب ونرددها قبل البدء بالخطبة، لأننا نعلم موضوعها والكلمات المستعملة فيها، حتى أن البعض قد أصبح يتكاسل عن صلاة الجمعة لأنه قد "حفظ" درسه لهذا الأسبوع.
ويخيم الملل على أجواء الخطبة تماماً كما يفعل درس المحفوظات في الحصة السابعة أيام الأبتدائية، لدرجة أن النعاس يأخذ الكثيرين من المصلين وتبدأ أصوات "الشخير" بالإرتفاع بعد دقائق من صعود الإمام على المنبر.
وكما ترافق "الخماسيات" وعلامات "بربيش الغاز" درس المحفوظات في المدرسة؛ ترافق خطبة الجمعة اليوم "خدران" في القدمين وسيلان بعض اللعاب أثناء "الغفوة"، بالإضافة الى بعض العلامات على الخدين والجبين من النوم.
تعليمات الوضوء وواجبات الجمعة وأحكام الحيض والنفاس وأركان الإسلام وشروطه وغيرها من المواضيع أصبحت من المحفوظات اليوم لدى الكثير من رواد الجمعة لكثرة تكرارها وإعادتها من الأئمة والوعاظ.
ونحتاج اليوم الى عناوين جديدة ومواضيع ذات أسماء رنانة لكي نخفف من أزمة أماكن النوم خلال صلاة الجمعة ولتخفيض اصوات "الشخير" في المسجد.