كبيرة هي القفزات التي لحقت بأسعار مختلف السلع والخدمات خلال السنوات الماضية، نتيجة ارتفاع أسعار النفط، وبما أثّر على المستوى المعيشي للأسر، إذ توالت الزيادات بشكل ملحوظ، في ظل ثبات المداخيل أو نموها بدرجة محدودة، فكان أن تفاقم العجز في ميزانيات الأردنيين.
انعكاس أسعار النفط المرتفعة سابقاً طال، أيضاً، الإنفاق الحكومي، بتخصيص ما يزيد على مليار دينار لدعم تعرفة الكهرباء، ناهيك عن مخصصات الدعم النقدي تعويضا عن تحرير أسعار المحروقات قبل نحو عامين، بقيمة تقترب من 200 مليون دينار سنويا، كانت تُصرف على دفعتين للأسر التي يقل دخلها عن 800 دينار شهرياً.
الشكوى الشعبية مستمرة من عجز الحكومة عن تخفيض أسعار السلع والخدمات بما ينسجم وتهاوي أسعار النفط عالمياً، بنسبة تزيد على 40 %، إذ يظل السؤال: هل سينعم المستهلك بانخفاض الأسعار، كما اكتوى بنار تصاعدها؟
السؤال في ملعب الحكومة التي يمكن لها تحقيق هذه النتيجة عبر أكثر من باب، لم تطرق أيا منها لغاية الآن، رغم مرور أشهر على تراجع أسعار سلعة النفط الاستراتيجية.
الباب الأول، يرتبط بإصرار الحكومة على إبقاء بند الدعم النقدي مدرجا في موازنة العام المقبل. لكن الموظف الصغير قبل الوزير يعلم أن فلسا واحدا لن ينفق منه، استنادا لقرار الحكومة بتقديم الدعم في حال ارتفاع أسعار النفط فوق 100 دولار للبرميل، فيما غالبية القراءات تؤكد أن هذه الأسعار ستبقى عند حدود 60-70 دولارا.
ومن ثم، تبدو أهمية مراجعة التوجه بشأن الدعم، لما لاستمرار تقديمه من أثر إيجابي؛ إذ يبعث برسالة للطبقة الأضعف اقتصاديا باكتراث الدولة بها، بتقدير صعوبة الأوضاع وتنامي حالة عدم الرضا والاحتقان الشعبي جراء تراجع المستوى المعيشي.
الفكرة قابلة للدراسة، بحيث تُستهدف بالقرار الفئات الأقل دخلا، والتي يسهل تحديدها بمراجعة قاعدة بيانات من استفادوا من الدعم، لإبقائه للشرائح الأفقر.
أيضا، ومن باب ثانٍ، فإن للحكومة، مثلا، التفكير في تطبيق فكرة التأمين الصحي الشامل الذي تقول دراساتها إنه يكلف نحو 90 مليون دينار؛ لاسيما أن فاتورة الإعفاءات الصحية تزيد على 160 مليون دينار، لم تسدد للخزينة لغاية الآن، وما يزال عجزها يؤرق من يخطط للسياسة المالية.
وثمة باب ثالث يمكن للحكومة طرقه، ويتمثل في توجيه الفائض المتأتي من الفرق بين أسعار النفط المقدرة والفعلية، نحو تحسين البيئة الدراسية للطلبة، لاسيما توفير التدفئة التي تعجز وزارة التربية والتعليم عن تأمينها حتى للطلبة صغار السن. كما يمكن تخصيص جزء من هذا المبلغ لإدخال نشاطات لامنهجية في المدارس، تساعد في تفتيح عقول أبنائنا على عالم مهم مختلف لا يعرفونه.
تحقيق أي مما سبق، يفيد بشكل أكبر من توفير تستخدمه الحكومة مع نهاية العام 2015 للاحتفاء بإنجاز وهمي، يقوم على ادعاء قدرتها على تخفيض قيمة عجز الموازنة ونسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي، بمقدار قيمة الدعم النقدي غير المنفق.
أما خطة الحكومة لتخفيض أسعار مختلف الخدمات والسلع، فلم نسمع عنها شيئا. بل كيف يقنع الناس بنوايا الحكومة بهذا الشأن، وهي التي أكدت أنها لن تخفض تعرفة النقل العام، رغم التراجع في أسعار النفط، ورغم معرفتها التامة بمدى انعكاس ذلك مباشرة على كلف حياة الناس.
الحكومة بتمسكها بتعرفة النقل تقدم نموذجا سيئا لمقدمي الخدمات والسلع الأخرى؛ فتراهم يتمسكون بدورهم بمستويات الأسعار الحالية المرتفعة، رغم تراجع الكلف عليهم مباشرة.
أما السؤال بشأن عدم التراجع عن زيادة أسعار الكهرباء، فإن إجابته جاهزة لدى الحكومة؛ بأن الكلف ما تزال كبيرة، وأن عجز السنوات الماضية المتراكم ضخم، عدا عن كون هذه الزيادة متطلبا أساسيا للمانحين ولصندوق النقد الدولي، ما يجعل التراجع عن القرار صعبا، وذا كلف لم تطلعنا عليها الحكومة.
الرقابة على المنتجين والتلويح بالقانون، يبدوان غائبين عن الأجندة الحكومية. ولذا، نرى التجار محتفظين بأسعار الفورة النفطية. وهم بذلك، كما الحكومة، لا يرحمون المجتمع.