تقدّمت بورقة بحث بداية هذا العام الى جامعة مانشستر البريطانية لمناقشة موضوع العنف الجامعي في الاردن. وقد تناولت الورقة اسباب استمرار وتفاقم هذه الظاهرة وقوى الشدّ المجتمعية التي تؤدي الى وجودها في الاردن٬ بخلاف كل دول العالم التي يندر العنف في جامعاتها٬ وان وجد فانه يقتصر على حالات نادرة جداً وفردية.
ومع أن الجامعات في معظم الدول المتقدمة لا تتبع اساليب التحفظ الموجودة لدينا٬ فلا تُحاط بالاسوار العالية والبوابات الكبيرة٬ ولا يتم التدقيق على هويات من يتجوّلون في حرمها الجامعي٬ بإستثناء اقتصار دخول المباني الخاصّة كالمكتبة وقاعات المطالعة على طلاب الجامعة الذين يستخدمون هذه الهويات للاستفادة من تلك المرافق.
إن من أهم أسباب العنف الجامعي في الاردن تدنّي مستوى المساقات الدراسية الجامعيّة وخاصةً في الكليات الانسانية٬ وعدم فاعليّة أساليب التقويم وشفافيتها ووضوح المعايير التي تُبنى عليها٬ بحيث تتيح مجالاً كبيراً للواسطة والمحسوبية٬ بالاضافة الى تدنّي مستويات بعض المدرسين الجامعيين٬ وقدرتهم في الغالب على التحكّم في العلامات وزيادتها أو تغييرها كيفما شاءوا لغياب الرقابة الممنهجة عليهم من قبل ادارات الجامعات. وقد لاحظت من خلال الاحصائيات بأن طلبة الكليات الانسانية - ذوي المعدلات الادنى - هم الاكثر تسبّباً في افتعال المشكلات. ومن خلال هذه العجالة سأتعرض فقط للأسباب العامّة للعنف الجامعي٬ وأجملها بالآتي:
١. ضعف المهارات الشخصية للطالب الجامعي٬ وتشمل هذه: مهارات الحوار والقدرة على ضبط الغضب٬ ومهارات تنظيم الوقت ومهارات الاتصال والتعامل مع الجنس الآخر والمهارات اللغوية.
٢. الخلفية الاجتماعية والتعليمية للطالب: ومن خلالها يتضح المساهمة السلبية للأسرة في تعزيز القيم الايجابيّة والمهارات الاجتماعيّة المرغوبة لدى ابناءها٬ حيث أن هناك نسبة كبيرة من الطلبة ممن يسيئون استخدام مراكز آباءهم الاجتماعيّة أو نفوذ قبائلهم لإيذاء الآخرين. يضاف الى ذلك قصور اداء المؤسسات الاعلامية والتعليمية وفشلها في لعب أدوارها المفترضة في تعزيز القيم الاجتماعيّة الايجابيّة٬ وتغليب لغة الحوار والاحترام والتسامح على لغة الانتماءات الضيقة واللجوء للعنف لتحصيل الحقوق والحصول على مكتسبات. وبالتالي فإن هذه التأثيرات لعبت دوراً مهماً في تركيبة شخصية الطالب الجامعي المتأثّرة اصلاً - في الغالب - بالتعرّض لبعض حالات العنف الأسري والمجتمعي او مشاهدة احداث عنيفة عبر التلفاز٬ مما يزيد إمكانيّة تقليدها بنسبة كبيرة.
٣. الخلفيّة الثقافية للطالب الجامعي: ويشمل ذلك القيم التي يؤمن بها الطلاب٬ والمعايير الاخلاقيّة والاجتماعيّة التي تمثّل نظرتهم للحياة. وقد اشارت بعض الدراسات الى عوامل تؤثر في تشكيل رؤية الطالب الجامعي الاجتماعيّة ومنها: ولاء الطالب لقبيلته او منطقته٬ وارتباط العنف بمفهوم الرجولة وحماية سمعة الزميلة أو ابنة القبيلة٬ بالاضافة الى وجود بعض الصعوبات في العلاقات الاجتماعيّة٬ وضعف التوعية بضرورة المحافظة على بيئة جامعيّة آمنة. ايضاً عدم معرفة الطلاب الكافية بقواعد الضبط والقوانين الجامعيّة مما يؤدي بالتالي الى تشكيل عصابات تضم ابناء قبائل أو مناطق محددة٬ وارتكاب المخالفات دون معرفة العواقب.
٤. عوامل تعليميّة متعلّقة بالتحديّات والعادات الدراسيّة: ومن ضمن هذه العوامل تأجيل الطلاب تحضيراتهم للامتحانات الى اليوم الاخير٬ وعدم الدراسة في الكليّة أو التخصص المرغوب بسبب تدنّي المعدل الدراسي في الثانوية٬ بالاضافة الى عدم وجود تطبيقات عمليّة لما يدرسه الطلبة٬ وضعف مهاراتهم الدراسيّة الشخصيّة٬ وأيضاً عدم تحقيق نتائج جيدة في الامتحانات٬ وقد يكون اهمها وجود أوقات فراغ كثيرة عند الطلاب ناتجة عن فشل الجامعات في تعبئتها بنشاطات منهجيّة او لامنهجيّة تنمّي مهاراتهم وقدراتهم بصورة ايحابيّة٬ اصف الى ذلك وجود صعوبات عند الطلاب في فهم بعض المساقات الدراسيّة.
دراسات كثيرة اثبتت بأن العوامل السابقة هي العوامل الرئيسية في تنامي ظاهرة العنف الجامعي٬ ولكني اضيف اليها عاملاً مهمّاً آخر ويتلخّص في عدم ملائمة انظمة الضبط الجامعية٬ فعلى سبيل المثال اذا تم ضبط طالب يغش في الاختبار٬ فان العقوبة الرسمية في بعض الجامعات تتلخّص بوجوب حرمان الطالب من الدراسة فصلين او ثلاثة فصول جامعيّة بدل حرمانه من علامة الاختبار نفسه٬ لذا يتردد كثيراً مراقب الاختبار او مدرس المادة قبل ان يتخذوا أي اجراء في حق الطالب٬ فتغليض العقوبة غالباً سلبي ويأتي بنتيجة عكسيّة.
من هنا فانه لا بد من مراجعة انظمة الضبط الجامعي لتتناسب فقراتها مع حجم الخطأ الذي يقترفه الطالب فلا تكون العقوبة مغلّضة ولا تكون ضعيفة٬ وانما متناسبة مع حجم المخالفة.
وفي النهاية فإنه من المحزن والمخجل ان يفشل مجلس التعليم العالي في وضع سياسات الضبط الجامعي وتطوير المساقات الدراسيّة واساليب تقييمها لكي تساهم في تخريج طلبة فاعلين يتمتعون بالمهارات الشخصية والعمليّة الضرورية والتوازن الانفعالي الصحيح الذي يقودهم الى النجاح في حياتهم العمليّة والاجتماعيّة.
من هنا لا بد من تغييرات جذريّة لضخ دماء جديدة في هذا المجلس بالمؤهلين للمساهمة بدفع عجلة التعليم الجامعي الى مستويات افضل تتماشى مع حاجات المجتمع المتجددة لاكتساب المهارات الضرورية لسوق العمل٬ بعيداً عن المناصب الشرفيّة والتكريميّة٬ ولكي يتم خلق سياسات تعليمية قادرة على معالجة الظواهر الاجتماعية السلبية وتعزيز الايجابيات بما يتناسب مع التسارع العلمي والتطوّر التكنولوجي المضطرد في العالم.