الشُح هو من أسوء الصفات التي يمكن أن يتصف بها الأنسان والتي نهى عنها القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فقال تعالى في محكم كتابه "وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"، وإعتبر رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام الشُح من المهلكات في حديثه الشريف حين قال "وَأَمَّا الْمُهْلِكَاتُ : فَشُحٌّ مُطَاعٌ , وَهَوًى مُتَّبَعٌ , وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ".
والشُح يعني الإمساك الشديد مع البخل، فإذا كنا نتكلم عن المال؛ فالشُح هو أن يعمل الإنسان على جمع المال وتكديسه مع الإمساك الشديد في الإنفاق خشية أن ينقص هذا المال، بل يسعى دائماً الى زيادته وتنميته دون أن ينفق شيئاً منه.
وأستغرب كثيراً من اولئك الذين يتصفون بهذه الصفة، فلقد أفنيت الستين أو السبعين عاماً من عمرك وأنت تجمع هذا المال وتراكمه فوق بعضه، فهل جمعت بعض السنوات لتضيفها الى عمرك من أجل ان تنفق هذا المال.
والشُح لا يكون بالمال فقط، فهنالك أشكال متعددة ومتنوعة من الشح، ويعتبر شُح المناصب واحد من هذه الأنواع، فيعمل المسؤول طوال عمره من اجل أن يتقلد المناصب ويسعى من أجل الكراسي والجاه والسلطان.
وشُح المناصب يتمثل في أن يصل الإنسان الى السلطة أو المنصب ثم يبذل قصار جهده في التمسك بهذا المنصب، ويقاوم جميع الإجراءات والخطوات التي تحول بينه وبين المنصب حتى وإن فقد أهليته لهذا المنصب في مرحلة من مراحل عمره.
وقد يتسبب شُح المناصب في بعض الأحيان بالكوارث والمصائب، وما يحدث في سوريا اليوم ما هو إلا مثال بسيط وواضح على تمسك شخص معين بالسلطة ورفضه التخلي عنه لشُحٍ في نفسه وإمساك شديد بكرسيه وجاهه، على الرغم من الدماء التي تسيل والأرواح التي تزهق كل يوم.
بل قد يدفع شُح المناصب الموجود بداخل بعض النفوس المريضة الى قتل روح المبادرة فيمن حوله والقضاء على القدرات الشابة التي تحيط به خوفاً على مكانه ومنصبه، ليبقى كما هو دون أي تغيير او تعديل.
ونحن في بلدنا الحبيب الأردن نعاني وبشكل كبير من ظاهرة شُح المناصب، والتي قد تخلق الأزمات وتجر علينا الويلات، فعلى سبيل المثال؛ أنت أيها النائب الفاضل لماذا تصر على تمسكك بمقعدك في المجلس لدورات عديدة على الرغم من تقدم سنك وضعف جسدك وقلة حيلتك، بالإضافة الى غياب مشاركتك الفاعلة وخطواتك الملموسة التي قد تدفع عجلة التطور والتقدم في البلاد.
وأنت ايها الوزير الكريم، ما زلت تتمسك بكرسي الوزارة وتطمح في ان تنميه وتطوره، على الرغم من إخفاقاتك المتعددة وفشلك الكبير في إدارة مؤسستك وإثبات وجودك بتطوير ملموس أو بقرارات لازمة.
لقد أثبت الكثير من المسؤولين اليوم في بلدنا الحبيب فشلهم الكبير وإخفاقهم الواضح للعيان في مراكزهم الحالية، فلم يكتفوا بذلك بل يسعون بعزيمة وإصرار الى التمسك بمراكزهم ويطمحون الى مراكز أكبر وأعلى في غياب واضح لاهليتهم بذلك.
لقد وجب على كل مسؤول في اي مركز أو منصب كان؛ أن يضع تقوى الله نصب عينيه، وأن يراجع أهليته لمنصبه الحالي وقدرته على تقديم ما هو خير لهذا البلد، وإن وجد نفسه مقصراً في آداء واجبه أو غير قادر على إتمام العمل المطلوب منه على أكمل وجه أن يتنحى جانباً وأن يفتح المجال أمام غيره من الكفاءات والقدرات لتولي المسؤولية وأن يقتل ما بداخله من شُح للمناصب وإمساك بها.
شُح المناصب
أخبار البلد -