ستة وستون عاماً مضت على إصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10/12/1948، الذي مثّل نقطة تحول على الصعيد النظري، لينقل الشعوب من حال الاضطهاد والقمع والتنكيل الى أمل بواقع جديد ينعم خلاله الانسان لمجرد كونه إنسانا بالحقوق سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية دون أي شكل من أشكال التمييز سواء بسبب الأصل أو العرق أو الجنس أو الدين.
ولكن الواقع يشير حتى الآن إلى أن حقوق الإنسان تتعرض إلى التجاهل وإلى الإلغاء وإلى الانتهاكات الصارخة من قِبَل أنظمة غير ديمقراطية أو شمولية أو قمعية. كما أن حقوق الإنسان تتعرض إلى تسييس عبر التعامل بازدواجية مع أحكامها، بل دعم أنظمة تمعن بانتهاكات حقوق الإنسان، وذلك لأسباب اقتصادية أو سياسية، متجاهلين أن حقوق الإنسان يجب أن تسمو فوق أي اعتبار.
وعند الحديث عن اليوم العالمي لحقوق الإنسان لا يمكن لأي ناشط حقوقي أو منظمة حقوقية أن تغمض العين عن الانتهاكات الاسرائيلية لحقوق الإنسان الفلسطيني، تلك الانتهاكات التي تمتد لمدة تزيد عن ستة وستين عاماً، وبالتحديد منذ عام 1948، ذلك العام الذي شهد في شهره الأخير إطلاق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
فلم يزل الشعب الفلسطيني يعيش حياة اللجوء في المنافي، بعد طرده بالقوة من قِبَل العصابات الصهيونية. كما أنه محروم بالعودة إلى وطنه وفقاً للحق التاريخي والحق الممنوح له في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
كما أن الشعب الفلسطيني لا زال محروماً من العيش بحرية وكرامة في ظل دولة مستقلة بسبب الاحتلال الإسرائيلي، حتى على الأرض التي احتلت عام 1967، رافضة بعنجهيتها احترام حقوق الإنسان، وحقوق الشعب بتقرير مصيره، إضافة إلى العقوبات الجماعية التي يفرضها على الشعب الفلسطيني عبر الحصار الجائر المضروب منذ سنوات عليه في قطاع غزة.
أمّا على الصعيد المحلي في وطننا الأردن، فلا زالت حقوق الإنسان شعارات ديكورية، باستثناء بعض الخطوات الشكلية البعيدة عن جوهر حقوق الإنسان. وفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود والمواثيق الدولية التي صادق عليها الأردن وتمّ نشرها في الجريدة الرسمية عام 2006.
فالقوانين المعمول بها هي المرآة العاكسة الحقيقية لمدى توفر الإرادة السياسية بالنهوض بحقوق الإنسان، كما تنص عليها العهود والمواثيق الدولية؟ وهل التعديلات سواء تلك التي أنجزت خلال السنوات القليلة الماضية، أو تلك المطروحة للتعديل وبطريقها الى المجلس النيابي أو المعروضة حالياً أمام مجلس النواب، تتوافق من حيث المبدأ مع العهدين الخاصين بالحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. كما يوجب تصديق الحكومة على هذه العهود من التزامات بتعديل تشريعاتها الدستورية والقانونية بما يتواءم مع أحكام تلك العهود والمواثيق.
وللتدليل على ذلك فهل التشريعات وعلى رأسها القوانين الناظمة للحياة السياسية وللحريات ومنها قانون الانتخاب، قانون الأحزاب، قانون الجمعيات، قانون الاجتماعات العامة، قانون المطبوعات والنشر، قانون مكافحة الإرهاب وغيرها، تتواءم مع مبادئ وجوهر حقوق الإنسان من حيث الاستقلالية وحرية التسجيل وحرية التعبير والتجمع السلمي، وعدم خضوعها لإرادة السلطة التنفيذية وأجهزتها من حيث منحها الصفة القانونية لشرعية عملها؟
لذا فالمطلوب من السلطتين التنفيذية والتشريعية أن تبدأ بسن وتعديل القوانين والتشريعات بما يتواءم مع التزاماتها أمام العالم. باحتراك وكفالة والنهوض بحقوق الإنسان.
فلم يعد مقبولاً أن تبقى حقوق الإنسان شعارات وتصريحات رنانة بهدف الحصول على مساعدات خارجية ودعم سياسي، فالشعب الأردني بأغلبيته الساحقة مصمم على انتزاع حقوقه الأساسية فحقوق الإنسان باحترامها صمام أمان للأمن والاستقرار.