في الستينيات من القرن الماضي كنت أشغل مركز أمين سر نقابة المحامين.. وفي الثلاثينيات من العمر اقترحت نظاماً للتقاعد يلزم النقابة بإحالة أي محام على التقاعد إذا بلغ السبعين عاماً.. ووافق مجلس النقابة على النظام وبقيت موافقة الهيئة العامة التي تم دعوتها لجلسة استثنائية لهذا الغرض.
وكان الدافع وراء ذلك والذي جعل مجلس النقابة يضع مثل هذا النظام أن بعض كبار السن من المحامين في ذلك الوقت كانوا إما مرضى أو دون مكاتب ويقومون بأعمال داخل المحكمة بعضها لا يليق بالمحامين.
وجاء وفد من كبار السن إلى النقابة واجتمع مع مجلس النقابة لبحث الأمر وطلبوا إلغاء نص تحديد سن للإحالة على التقاعد قائلين إن المحاماة مهنة وليست وظيفة.. وكما أنه لا يجوز لأحد إحالة التاجر أو العامل على التقاعد إلا إذا طلب هو.. فكذلك يجب أن يعامل المحامي.. وسائر المهنيين.
ذلك أن باقي النقابات كنقابات الأطباء والصيادلة والمهندسين وغيرها.. كانوا يأخذون أنظمة التقاعد عن نقابة المحامين باعتبارها النقابة المختصة بالقانون والنظام. وحاولنا التفاهم مع الوفد برفع سن التقاعد إلى خمس وسبعين سنة ولكن الوفد رفض وأصر على إبقاء العمر مفتوحاً دون تحديد وألا تتم أي إحالة إلا بطلب المحامي نفسه. وبقي الأمر بيد الهيئة العامة التي تملك اتخاذ القرار.
وفوجئنا يوم اجتماع الهيئة العامة بأن كبار السن من المحامين قد حشدوا أنفسهم وأنصارهم بشكل لافت للنظر.. وجاء المحامون من الضفتين لحضور الاجتماع.
ولدى التصويت على اقتراح تعديل النظام لم ينجح في أخذ أكثرية الهيئة العامة على تحديد العمر وإعطاء مجلس النقابة الحق في إحالة المحامي على التقاعد.. وبقي النظام كما كان في ألا يجوز إحالة أي محام على التقاعد مهما بلغ من العمر إلا بطلبه.. وبقي هذا النص معمولاً به إلى الآن.
والذي جعلني أتذكر هذه الواقعة أن زملاء لي من مجلس النقابة في ذلك الوقت قد تجاوزوا الآن الرابعة والثمانين من العمر وقد قالوا لي قبل أيام الحمد لله أن اقتراحنا بتحديد عمر معين للإحالة على التقاعد لم ينجح.. وأن ذلك الاقتراح كان نزوة شباب.