سألت أحد القيادات المصرفية عن رأيه بقرار مجلس النواب زيادة الضريبة على البنوك بنسبة 5 %، لتصبح 35 %. فردّ بالقول: بسيطة، البنوك سترفع أسعار خدماتها على العملاء بنفس النسبة!
دائما ما كانت الأمور تجري بهذه الطريقة؛ فمع كل قرار برفع الضرائب أو الرسوم على القطاعات الاقتصادية، كان المواطن يدفع الزيادة من جيبه، من دون أن تنقص أرباح هذه القطاعات فلسا واحدا. ويكفي هنا التذكير بقرار الحكومة رفع الضريبة على خدمات الاتصالات، وما ترتب عليه من رفع تلقائي لأسعار بطاقات الشحن على المواطنين.
تحرير أسعار المشتقات النفطية يعطينا مثالا أكبر على ذلك. فقد سارعت جميع القطاعات إلى رفع أسعار سلعها وخدماتها بما يعادل، بل ويزيد على نسبة الزيادة في أسعار المشتقات النفطية.
لم تسقط من ذاكرتنا بعد الحملة التي شنتها نقابات أصحاب الأعمال والخدمات في القطاع الخاص لفرض زيادات كبيرة في الأسعار لتغطية كلفة الارتفاع في أسعار الوقود؛ أجور النقل، ورسوم الدراسة في الجامعات والمدارس الخاصة، وأجور الطبابة في المستشفيات الخاصة، إضافة إلى قائمة طويلة من السلع والمواد الغذائية، بما في ذلك المطاعم والمقاهي.
وشهدت العديد من القطاعات حملات لتسريح العمال والموظفين، بدعوى تخفيض كلف الإنتاج لضمان الديمومة، بعد ارتفاع أسعار المشتقات النفطية والكهرباء.
أسعار المشتقات النفطية بدأت بالهبوط منذ ثلاثة أشهر تقريبا، وبشكل كبير. وهي في طريقها إلى مزيد من الانخفاض في الأشهر المقبلة. وتفيد تقديرات الخبراء في أسواق النفط العالمية، والمعلومات المتوفرة بحوزة الحكومة، إلى أن سعر برميل النفط في السنة المقبلة سيحوم حول 70 دولارا؛ أي بانخفاض يصل إلى 40 % مقارنة مع ما كان عليه عند تحرير الأسعار في الأردن قبل قرابة العامين.
أسطوانة الغاز التي ظلت الحكومة تدعمها حتى قبل آخر تسعيرة، يُتوقع أن ينخفض سعرها، ولأول مرة، عن عشرة دنانير في تسعيرة نهاية الشهر الحالي.
نقابات أصحاب الأعمال في القطاع الخاص الذين رفعوا عقيرتهم عند ارتفاع الأسعار، يلوذون بالصمت حاليا، ويودون لو أن أحدا لا يذكرهم بمسؤولياتهم. لقد انخفضت أسعار المحروقات الآن؛ هل ستخفضون أسعار السلع والخدمات؟
المؤكد أنهم لن يبادروا إلى ذلك من تلقاء أنفسهم؛ فمن يتخلى طوعا عن مزيد من الأرباح؟
المسؤولية تقع على طرفين: مجلس النواب الذي يعد بمثابة نقابة تمثل الجمهور العريض من الناخبين والشعب، ليمارس دوره بتحقيق مصالح من يمثلهم؛ والحكومة صاحبة الولاية العامة، والمسؤولة عن حماية وصون مصالح المواطنين وحقوقهم.
مثلما فعل أصحاب الأعمال في القطاع الخاص، افعلوا؛ أحضروا قوائم بالسلع والخدمات التي تم رفع أسعارها بعد تحرير أسعار المشتقات النفطية، وخفضوها بنفس النسبة التي انخفضت بها أسعار الديزل والبنزين والغاز.
عندها فقط ستلمس القطاعات الشعبية، ومعها الفئات الدنيا في الطبقة الوسطى، الأثر الإيجابي لانخفاض الفاتورة النفطية.
خلال الفترة الماضية، كان المسؤولون في الحكومة يفركون أيديهم عندما تسألهم عما يمكن فعله من إجراءات عاجلة لتخفيف الضغوط المعيشية على المواطنين، واحتواء موجة ارتفاع الأسعار التي يشكو منها الجميع. الفرصة متاحة الآن لمثل هذا الإجراء؛ فإذا لم يتمكن فلاسفة الاقتصاد الوطني في المؤسسات الرسمية من اجتراح حلول خلاقة للحد من الغلاء وارتفاع كلف المعيشة في الأردن، فإن انهيار أسواق النفط وفر لهم هذه الفرصة غير المتوقعة. رجاء استغلوها، من أجل ملايين الأردنيين.