فلا تكاد تخرج من المسجد أو العمل أو تدخل الى أحد المتاجر والمولات إلا وتجد العديد من المتسولين الذين يستمطرون جيوب الناس بآساليب مختلفة، فتجد الأطفال الذين يرتدون البالي من الثياب ويطلبون المال لشراء الطعام، أو النساء اللواتي يغطين وجوههن ويطلبن المال بقصد إطعام أطفالهن أو شراء الحليب لطفلها الرضيع، أو العاجز من الرجال الذي أغرقته الديون ويطلب المال من أجل تسديد إجار منزله أو الوفاء بإالتزاماته على حد زعمهم جميعاً.
والجديد في هذه الظاهرة تواجد الشباب الذين وجدوا من التسول فرصة عمل جيدة وتدر مبالغاً جيداً من المال دون تعب أو بذل جهد، بل إن كل ما عليه هو أن يصطحب طفلاً صغيراً أو بعض الأوراق التي نشكك في مصداقيتها لتتهافت عليه تبرعات المحسنين وأموال الناس.
وأسهم اللاجئون بشكل كبير في زيادة هذه الظاهرة بشكل ملحوظ، فرواد المساجد على علم تام بهذا الموضوع، فلا يكادون يفرغون من صلاة الجماعة إلا وتجد أن هنالك أحد المتسولين يشرع بالوقوف تالياً على المصلين قصة من خياله الواسع وأفقه العميق مرفقاً مع كلماته بعض الدمعات أو الأوراق الثبوتية التي تروي قصة لجوئه الى بلدنا العزيز وحاجته الى المال من أجل إطعام أطفاله.
وتطغى على أهلنا في أردننا الحبيب العواطف والأحاسيس، فعلى الرغم من شك الكثيرين من المحسنين بصدق هذا المتسول وحاجته الى المال كما يدعي؛ إلا أنه يضع يده في جيبه ليخرج ما تجود به نفسه الى ذلك المتسول عن حسن نية وطيب خاطر.
وفي إحدى التجارب التي يرويها أحد الصالحين من رواد المساجد وخلال تواجده بأحد المساجد؛ وجد إمراءة على باب المسجد تطلب المال والمساعدة من أجل شراء الحليب لطفلها الرضيع، فأشفق الرجل المسن على ذلك الطفل الذي يأكل البرد من جسده النحيل وقال لها بأنه يتكفل بحليب هذا الطفل ومستعد لشراء إحتياجاته له فقالت : " لا شكراً"، وحين الح عليها بالموضوع قالت: " يا عم أتركني اترزق انت جاي تقطع رزقي".
وفي الحقيقة تكشف هذه التجربة الوجه القبيح للمتسولين والذي يخفونه خلف أطفال صغار أو إحتياجات كاذبة أو أوراق ملفقة. وتكشف الجهات الرقابية كل يوم عن الكثير من حالات التسول المنظمة والتي يديرها بلطجية ويشرفون في أعمالهم على مجموعة من الأطفال والنساء الذين يوزعونهم على الأماكن "الخصبة" بالتبرعات ويتابعونهم، وفي نهاية اليوم يعطونهم الجزء القليل من المال ويحتفظون بالباقي من أجل ملذاتهم وشهواتهم.
وفي المقابل هنالك الكثير من المحتاجين الذين لا يمدون أيديهم الى الناس وذكرهم الله تعالى في كتابه الكريم حين قال: "لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ".
فهؤلاء هم من وجب على المتبرعين البحث عنهم وتحقيق متطلباتهم وقضاء حوائجهم.
وهنالك العديد من الطرق القانونية والشرعية لزكاة الأموال والصدقات والتبرعات والتي تتمثل بالجمعيات الخيرية الحقيقية الصادقة والتي تعمل على كفالة الأيتام وقضاء حوائج الأرامل وإعانة الفقراء والمحتاجين والعاجزين.
لذلك وجب علينا التعاون في مكافحة هذه الظاهرة والقضاء عليها من خلال التوقف عن مد هؤلاء المتسولين بالمال والتبرعات، وتوجيه تلك الأموال الى المصارف الحقيقية لها كالفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم والغارمين وللمجاهدين في سبيل الله ومن تقطعت به السبل، وذلك من خلال المؤسسات الوطنية والجمعيات الخيرية التي ثبت صدقها.
ووجب على الجهات الرسمية تغليظ العقوبات وتشديد الإجراءات في مكافحة هذه الظاهرة والقبض على هؤلاء المتسولين ومعاقبتهم لثنيهم عن العودة الى مثل هذه الأفعال.
أنس ابراهيم معابرة