كتبت في يوم الاثنين الموافق 17/11/2014 في هذا المكان نصف مقالة عن القضاء والقضاة الفاسدين في أحد بلدان "الهزيع العربي". وقد فوجئت – في أثره – بمن يطالبني أو يتحداني الكتابة عن القضاء والقضاة في الأردن، فقلت لهذا النفر المعجب بنصف المقالة: لا أستطيع الكتابة عنهما لأسباب ثلاثة وهي:
الأول: إنني غير مطلع على ما يجري هناك سوى من الإشاعة.
الثاني: لأن نقد قرارات القضاء لا تكون خارج المجلة.
الثالث: لأن نقدهما محظور في غير ذلك.
فالدعوة إلى إصلاح القضاء – مثلا ً – تعني أو توحي أن القضاء فاسد، وما هو في الأردن بفاسد. إن القضاء في الأردن معصوم وقراراته لا تُمس، وإن كان معنى هذا إبقاء كل شيء على حاله وإحلال الإشاعة التي تتحرك بسرعة المتوالية الهندسية محل النقد العلني الصريح الذي يقطع دابر كل إشاعة.
لقد وضع أستاذ القانون في جامعة ييل كتابا (1939) ينتقد فيه القضاء والقضاة في أميركا أشد الانتقاد وأمرّه بسبب طول الإجراءات والكلف والتفسير المغرض للدستور والقانون. وقد أدى هذا النقد إلى تطوير القضاء ولجم القضاة ونشوء منظمة أميركية (HALT) هدفها الضغط الدائم عليهما من أجل قضاء أنظف.
يقول بول كراسنر: "لكم أؤمن أنه من أجل عدالة حقيقية يجب علينا – نحن القضاة – قبول تحرش مساو ٍ بقراراتنا في إطار القانون".
إن القضاء في المجتمعات المتحضرة ليس وظيفة لكل من هب ودب بل هو المركزا الأعلى مقاماً ومكانة وشرفاً فيها، ولا يدانيه أي مركز آخر أو وظيفة أخرى وإن كانا أفضل دخلا ً ومنافع. وإن نفراً من الناس المؤمنين والملتزمين بالعدالة والإنصاف وتحقيق ذواتهم هم الذين يفضلون العمل فيه. إن شعارهم: "دع العدالة تتحقق حتى وإن سقطت من السماء على الأرض" بمعنى حتى لو انها ألحقت أكبر الضرر بالصداقة والحكومة والعشيرة... فالقاضي العادل الصارم نحوها أعمى.
قال صلى الله عليه وسلم: "القضاة ثلاثة: اثنان في النار، وواحد في الجنة، فاللذان في النار أحدهما من يقضي ولم يعلم، والآخر من يعلم ويقضي بغير الحق. وأما الذي في الجنة فهو الذي يعلم ويقضي بالحق".
ويبدو أنه بموجب هذا المبدأ يجب أن يعود السيد حسني مبارك "وشلته" إلى مراكزهم ووظائفهم في الدولة، بعد "براءتهم؟" وأن يتم الاعتذار لهم وتعويضهم وتفكيك كل ما تلا ثورة 25 يناير من ترتيبات، وأن "لا يتخنفس". أحد ضد القرار.
إن القاضي العادل لا يموت لأن ذكراه تستمر حاضرة مع الأجيال. إن ذكرى عدالة الفاروق عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أقوى من ذكراه بالفتوحات.
وتعبر الدولة عن إيمانها بسمو القضاء بنظام خدمة حصين وتعليم وتدريب للقضاة بجعل سلطتهم فوق سلطة السلطتين: التنفيذية والتشريعية فلا تجرؤ أي منهما على الضغط عليهم أو الإيحاء إليهم.
في أميركا فقط ينتخب القضاة أو يختارون من بين المحامين الممارسين الناجحين سنة وخبرة وسمعة طيبة.
وحسب التقاليد القانونية لا يحق للمحامي فبركة شهادة أو إلقاء الشبهات على الأبرياء لتبرئة موكله، لأن المحامي لا يمثل موكله فقط، بل هو كالقاضي يمثل المصلحة العليا للمجتمع والدولة في العدالة والإنصاف، وبالتالي في الاستقرار والازدهار والوئام والسلام.
وأخيراً اعلم أنه إذا فسد القضاء في مجتمع فسد الماء والغذاء والهواء والدواء فيه.