لكل دولة "لائحتها السوداء” لمن تعتبرهم إرهابيين، أفراداً أكانوا أم جماعات، على أن قيام دولة ما، بنشر قائمة سوداء للمنظمات الإرهابية، ومن مختلف قارات العالم، فتلكم رسالة سياسية في المقام والأول والأخير ... وأحسب أن دولة الإمارات العربية المتحدة، أرادت بنشر "قائمتها السوداء” المكونة من 83 منظمة، أن تبعث برسالة إلى كل من يهمهم الأمر.
ومن يهمهم الأمر من وجهة نظر إماراتية، هما جهتان رئيستان: الأولى، وتتجلى في جماعة الإخوان المسلمين بمختلف مسمياتها وجمعياتها ومؤسساتها، في الإمارات والخليج والعالم بأسره ... والثانية، وتخص الكثرة الكاثرة من حلفاء إيران في المنطقة، بدءاّ بالحوثيين في اليمن، وليس انتهاء بجماعات شيعية محسوبة على إيران في العراق، من مثل "قوة بدر” و”كتائب أبو الفضل العباس” وغيرهما.
اللافت في القائمة الإماراتية أنها لم تبق على جماعة أو مؤسسة ذات صلة من قريب أو بعيد، بالإخوان المسلمين، إلا وأدرجتها في متنها ... من الاتحاد العالمي وشيخه الإشكالي، مروراً بتنظيمات الجماعة ذاتها وفروعها، وانتهاء بعشرات المؤسسات الإغاثية، في أوروبا والولايات المتحدة والعالم، ومعظمها شرعي ومرخص له في الدول التي يتخذ منها مقراً، ولم يعرف عنه تورطه في أية أعمال إرهابية، وإلا لكانت الدول المضيفة لهذا المؤسسات، قد بادرت بإحالتها إلى القضاء وإغلاقها وإعلانها فروعاً أو أغطية للإرهاب.
الاستثناء الإخواني الوحيد من قوائم "الإمارات”، إنما يتمثل في حركة حماس وكتائب القسام ... لم تأت القائمة على ذكرهما، فهل هما في عداد هذه القائمة أم أن ثمة استثناء تمليه "هويتهما الفلسطينية” المصاحبة لهويتهما الإخوانية؟
ثمة أسئلة تشغل بال المهتمين بالإسلام السياسي عموماً والإخوان على وجه الخصوص ... هناك تنظيمات إخوانية أو ذات مرجعية إخوانية، مثل حزب العدالة والتنمية في كل من تركيا والمغرب، وحزب النهضة في تونس، والحزب الإسلامي في العراق ... هل يمكن اعتبارها من ضمن فروع الجماعة الإرهابية، وكيف ستتعامل الإمارات مع حكومات وبرلمانات هذه الدول التي تحظى فيها الجماعة بنفوذ منفرد مقرر، أو بمشاركة أساسية في كعكة السلطة؟
في الأسماء المحسوبة على إيران، لوحظ إدراج كثرة من المنظمات ليس من بينها أحزاب سياسية معروفة بصلاتها مع إيران، القائمة ركزّت على الفصائل المسلحة بشكل خاص ... لم نر حزباً عراقياً شيعياً مرتبطاً بإيران ومشاركا في العملية السياسية، مدرجا على القائمة، الوفاق البحرينية ليست مدرجة كذلك، وكنا نظن أنها ربما تكون قد وضعت فيها ... لاحظنا استثناء حزب الله اللبناني من القائمة، مع أن جميع "أحزاب الله” في مختلف دول المنطقة، قد أدرجت ... لماذا الاستثناء اللبناني بعد الفلسطيني، وما الذي يشفع لحزب الله في لبنان ولا يشفع لأمثاله في دول أخرى؟ ... هل هي مقاومته لإسرائيل أم مصالح الإمارات في لبنان واحتمالات قيامها بأدوار فيه، أم أنها مقاربة إماراتية جديدة للملف السوري، و”أخذ خاطر” لإيران، أحد أكبر الشركاء التجاريين للدولة الخليجية الغنية، ومحاولة إبقائه كـ "شعرة معاوية” مع طهران؟
لم تأت القائمة على ذكر الجهاد الإسلامي في فلسطين، مع أنها حليفة موثوقة لإيران كذلك، فهل فعل الاستثناء الفلسطيني فعله هذه المرة كذلك، أم أن الإمارات لا تريد قطع الطريق على أدوار محتملة على الساحة الفلسطينية، مباشرة أو عبر حلفائها من رجال الأمن الفلسطيني السابقين، فأبقت على شعرة معاوية مع فصيلين، أحدهما إخواني والثاني شديد القرب من طهران؟
وفي سوريا على سبيل المثال، أدرجت القائمة 16 منظمة وفصيلا سوريا في عدادها، بعضها هامشي إلى درجة لا تذكر، وبعضها فاعل رئيس في الأزمة كالنصرة وداعش ... سؤالنا: ماذا عن بقية الفصائل التي لا تتردد في إعلان هويتها الإيديولوجية التي لا تختلف عن داعش، كما أن ممارساتها من ذات "طينة” الممارسات الإرهابية للمنظمات المدرجة ... أين أحرار الشام والجبهة الإسلامية وجبهة ثوار سوريا وغيرها من التنظيمات المسلحة، التي ما أن يفقد أحدها سيطرته على قرية أو بلدة، حتى تبدأ رائحة المقابر الجماعية تفوح من بين الركام والأنقاض ... في سوريا العديد من المنظمات الأكثر جدارة بهذا التصنيف، لماذا غابت وحضر غيرها، سؤال لا نجد له جوابا.
لا يهم أن تضم القائمة "لشكر طيبة” أو طالبان الباكستان، فهذه فصائل وغيرها، مدرجة منذ سنوات طوال على قوائم الإرهاب العالمي، والمنطقة برمتها ليست مسرحاً لعملياتها الإرهابية ... المهم أن القائمة الإماراتية، تكاد لم تبق على أي خيط مع الإخوان المسلمين، إلا وقطعته، ولا أحسب أن أمراً كهذا يفيد في تحجيم الإخوان أو الحد من احتمالات تمددهم إلى دول الخليج العربية.
في ظني أنها قائمة أعدت على عجل، وبهدف توجيه رسائل سياسية، وهي بحاجة لتنقيح ومراجعة، فبعض من أدرج عليها لا يستحق ذلك، وبعض من بقي خارجها لا يعني أنه غير إرهابي ... المهم أن الرسائل وصلت، وأن صداها تردد في قمة الرياض لقادة خمس من دول الخليج، انتهت إلى تراجع قطر وعودة السفراء الثلاثة إلى الدوحة.