عبّر الاسلاميون السياسيون عن حضورهم المدني في الوطن العربي منذ بداية القرن الماضي ببناء المساجد و المعاهد و الجامعات ، المؤسسات الاعلامية ، الاندية الرياضية ، الصحف و المجلات ، القنوات الفضائية ، إذاعات ، بنوك ، شركات ، دور نشر ، مطابع ، مدارس خاصة ، مستشفيات ، مراكز صحية ، جمعيات خيرية ، اسواق شعبية ، مدارس تحفيظ القرآن الكريم ، حفلات الزواج الجماعي ، رعاية أيتام و أرامل ، و غيرها .. إنهم يعمرون الحياة المدنية بكل معنى الكلمة .
لكنهم ما أن دخلوا المجال السياسي حقهم مثل أي مواطن أو حزب من الأحزاب المرخصة في الوطن العربي و ظهر فوزهم الساحق بسبب حب الشعب لهم، حتى بدأت الأنظمة الاستبدادية تنصب لهم المكائد و تحيك لهم الدسائس لمنعهم من الوصول إلى السلطة التي يريدونها حكرا عليهم إلى يوم القيامة .. إما بقانون الصوت الواحد أو بتزوير الانتخابات أو بتلفيق التهم الجاهزة ثم قلع العيون و تكسير العظام ثم السجون و المحاكم و أخيرا اطلاق الرصاص عليهم في الشوارع و الساحات .. أنهم يدفعون ثم ايمانهم بالديمقراطية و الصناديق و يدفعون ثمن ايمانهم بمشروع الاسلام السياسي السلمي الحضاري .
قد لا يحسن الاسلاميون السياسيون أو لعلهم لا يريدون مواجهة المكائد و الدسائس و لعلهم لا يحسنون الدفاع عن أنفسهم و رد التهم و الاشاعات و ربما انهم غير حريصين على ذلك من باب " إن الله يدافع عن الذين أمنوا " و لعلهم يحرصون على ان يبقى باب التصالح مفتوحا أو مواربا فليس في اغلاقه مصلحة للوطن .. لكن كل ذلك لم ينفعهم ولم يشفع لهم .
يعلم قليل من الناس أن الاسلاميين قد أفشلوا محاولات انقلابية ضد بعض الانظمة العربية مع ايمانهم بأنها أنظمة علمانية لكن المنقلب عليها في حينها هو اسوأ منها و ذلك ربما أخذا بالقاعدة الفقهية الشرعية " أخفّ الضررين " .. لكن هل يسمح اليهود و الصليبيين الغربيين للحكام العرب و اعوانهم أن يدركوا المقاصد الخيرية الشريفة للاسلاميين و بعد نظرهم و حرصهم على اهلهم و وطنهم و مصالحه الدينية و الدنيوية .. فيقدرونهم حق قدرهم ؟! .
ترى هل هذا جزاء من يملك تاريخا طويلا في بناء الوطن بالحياة المدنية و تربية النشء على الاخلاق الحميدة لبناء الانسان الصالح المؤمن بالله وحده لا شريك له هدف الرسالة المحمدية ؟!وهل هذا جزاء من له بصمات واضحة في مد يد العون و الاحسان للفقراء و المحتاجين و ساهم في خفض نسبة البطالة بتشغيل بعض العاطلين عن العمل و المساهمة مع الدولة في بناء المجتمع في جميع المجالات ؟
هل يجوز أن يسمى من يقوم بكل هذا البناء المدني و يملك هذا الحس الوطني _ إذ حب الوطن من الإيمان _ أن يصنف ارهابيا أو يضيق عليه و تُسنُّ ضده القوانين الجائرة التي تمنعه من الوصول إلى حقه الذي منحه له الشعب عبر صناديق الاقتراع وقد اختارهم الشعب لقيادته ؟! أم هو جزاء سِنمّار ؟!.
ألا ترون كيف اختارهم الشعب التركي لقيادته و نهضوا بتركيا إلى مصاف الدول المزدهرة المتقدمة اقتصاديا و سياسيا ؟! .
الا ترون كيف اختارهم الشعب الفلسطيني لقيادته بانتخابات حرة نزيهه و منعوا بالضفة فحكموا في غزة وهي محاصرة فجعلوهها حرة عزيزة ، بينما بقيت الضفة تعاني و الاقصى فيها يستغيث ؟
أن نشطاء الاسلام السياسي لدى الدول الاجنبية يمتلكون عدة وسائل للتعبير عن آراءهم و وجهة نظرهم فلا يعتقلون أو يُضارّون على ذلك ، اما في الوطن العربي فإن نشطاء الاسلام السياسي إذا ما أرادوا أن يعبروا عن رأيهم أو وجهة نظرهم فإن لهم طريقا واحدا لا غير هو السجن .
إن استهداف أصحاب مشروع الاسلام السياسي أو حتى الاسلاميين المستقلين الافراد بهذه الشراسة من قبل أمريكا و أخواتها الغربية و العربية قد أدى إلى أمرين واقعين .
الأول : اصرار التنطيمات الجهادية على طريقهم و اقتناعهم التام بأنه لا سبيل لهم إلا الجهاد المسلح ولا خيار لهم غيره بعدما رأوا بأم أعينهم ما جرى لاصحاب مشروع الاسلام السياسي وقد كان رد " طالبان " على امريكا عندما طلبت منهم عبر وسطاء أن يتخلوا عن اسلحتهم و يشكلوا أحزابا سياسية و ينخرطوا بالعملية الديمقراطية " لن نسمح لكم أن تفعلوا بنا كما فعلتم بجبهة الانقاذ في الجزائر أو بحماس في فلسطين .. تضعون قوانين انتخاب لصالحكم ثم تزورون الانتخابات و حتى لو فزنا تعودوا فتنقلبوا علينا كما انقلبتم على جبهة الانقاذ و حماس "، أما ما حدث في مصر فقد جاء بعد هذا الحديث .
الثاني : دفع منتسبي أحزاب الاسلام السياسي فرادى أو بالجملة للالتحاق بالتنظيمات الجهادية بعد أن افشلتم مشروعهم السياسي السلمي ومنعتموهم من ممارسة حقهم في تداول السلطة وحتى من حق الاعتصام أو التظاهر السلمي أو حق التعبير عن الرأي في الشارع أو في ندوة أو خطبة جمعة .
وهكذا سدّت امريكا و اخواتها الغربية و العربية كل السبل السلمية في وجوههم ولم يبقَ أمامهم إلا طريق واحد فقط لا غير هو " داعش " .
نفهم من ذلك أن داعش صار اتجاها اجباريا و أنّ أمريكا و اخواتها الغربية و العربية هي التي جعلت الطريق إلى داعش اجباريا بإفشالها مشروع الاسلام السياسي و تدعيش الاسلاميين السياسيين .
يردني هنا خاطر بأن أنوب عن زعيم الدولة الاسلامية بدعوة السيد اوباما و الفاشل نتنياهو و زعماء حلف الصهينة العربي إلى وليمة عظيمة في مدينة الرقة مكافأة لهم على أفشال مشروع الاسلام السياسي و تدعيش منتسبيه .
بقي أن نقول تساؤلا .. هل يمكن تدارك الموقف ؟ أقول : نعم.. وذلك بوضع دساتير جديدة تنص على تحكيم الكتاب و السنة في الوطن العربي و اعتمادها المصدر الوحيد للتشريع ومن ثم تداول السلطة حصريا بين الأحزاب الاسلامية فقط .. إذ لا يجوز أن يحكم المسلمين في ديارهم علمانيون أو يحكموا بغير الاسلام .
داعش اتجاه اجباري
أخبار البلد -