كان زعيما عربيا وعالميا متميزا , فهو الذي جعل (الحطة) الفلسطينية رمزا عالميا للتحرر ومقاوة الإستبداد والإستعمار , وهو الذي مر عليه العمر ولم يخلع (الكاكي) لباس الثورة , والأهم من كل ذلك أن زعامته للشعب الفلسطيني وحركة فتح كانت حصيلة مجهود نضالي ,وحصيلة ثورة قاد مفصلا مهما من مفاصلها التاريخية , كان الأعنف والأشرس .
والان مع مرور الذكرى العاشرة لإستشهاده , تحتل صوره واجهات المحلات في رام الله والبيرة , والقدس , ونابلس ...ومخيمات اللجوء في لبنان والأردن وسفارات فلسطين في كل العالم , والسؤال لماذا لم يمر على الشعب الفسلطيني للان قائد يستطيع أن ينافس عرفات في الشعبية والحضور ؟ ...
في العامين الأخيرين من حياته أعاد عرفات إنتاج نفسه بطريقة غريبة كأنه كان يدرك بدنو الشهادة منه , ويسجل له أنه رفض التنازل عن القدس , وكانت تللك المحطة مفصلية جدا , وقاد الإنتفاضة الفلسطينية الثانية بكل ما حملت من دم ...كان يظن أنه بتوقيعه معاهدة السلام ,إستطاع أن ينقل الصراع من على حدود الدول العربية إلى داخل فلسطين , ولم يعد الفلسطيني في صراعه مع إسرائيل يحتاج لمظلة عربية أو لقرار عربي يبقي الفلسطيني أو يقوم بترحيله , وهذا ما حدث فعلا فالسنوات الأولى لتوقيع الإتفاقية كانت هادئة , والحديث عن سلام الشجعان كان طاغيا , ولكنه سرعان ما غير المشهد تماما , وكانت النتيجة إقتحام الدبابات الإسرائيلية لمقر الرئاسة في رام الله ومع ذلك إنتصر عرفات وهزمت الدبابات الإسرائيلية .
أورث الشعب الفلسطيني , الإرادة وعلمهم رفض الواقع والتجبر ...واستطاع من بيروت عبر قيادته منظمة التحرير الفلسطينية , أن ينتج ثورة كانت ملهمة لكل دعاة التحرر في العالم ...ثورة رافقت فيها قصائد محمود درويش وروايات غسان كنفاني البندقية , ثورة أنتجت الأغنية والمثقف العربي المتنور , واحتضنت كل المطاردين من كل البلاد العربية ...ويسجل لتلك الثورة أنها أنتجت إرثا ثقافيا عربيا مهما لا يبدأ بغالب هلسه ولا ينتهي بمحمود درويش ...أو مارسيل خليفة .
هو الان مسجى في رام الله , وقد مرت عشر سنوات على وفاته , وحتى في شهادته إستطاع أن يجعل العالم يغرق في جدل مثير ...حتى في غيابه إستطاع أن يجعل كل طفل فلسطيني سواء كان في غزة أو حتى حيفا يلصق على كراسته صورة عرفات وعلم فلسطين ...واستطاع أيضا وعنوة وعجرفة على الجلاد ..أن يختار من تراب فلسطين مرقدا للموت شاهدا على ختام فصل من فصول الثورة والتحرر الفلسطيني
الأمة العربية ما زالت حية بالرغم من كل ماحدث وما يحدث ...وما يحمله المستقبل والرحم الفلسطيني , حتى وإن تجبر الجلاد قادر على إنتاج الرمز والمناضل ..والمقاوم , والأهم من كل هذا ..أن عرفات وقع وصافح وابتسم وقبل رابين لكنه لم يترك البندقية ولم يتخل عن روح الفلسطيني المقاوم والثائر , وحتى في مقر إقامته وأثناء الحصار , أعاد إنتاج الثورة في بيروت بشكل مختلف ولكن عبر رام الله وعبر فلسطين هذه المرة ....
للرجل الذي كان يهز مشاعرنا حين يخطب أو حين يقبل أو حين يتحدث عن فلسطين أو حين يقاتل ...لهذا الرمز العربي الفلسطيني , نقول :- ندرك أنك لن تتكرر لأنه إذا تكررت تهشم النموذج , ولكن النساء في البيرة وأم الفحم ويافا سينجبن قريبا ..ثورا جددا يحملون منك الروح والكوفية ونزعة الثائر ...وبيروت ستبقى تذكر حضورك وتونس هي الأخرى ستبقى تتذكر أن ثائرا عالميا مكث على شواطئها وقاد ...ثورة عظيمة , وعمان هي الأخرى ستبقى توأم الشعب وتوأم الثورة ...
رحم الله زعيما ...حتى الكوفية الفلسطينية وضعها على رؤس الشعوب عنوة ...وجعل فلسطين وطنا ملهما للحب والبندقية والحياة ...
وفلسطين ستبقى فلسطين ...حتى وإن إحتضنت شارون في ترابها , ولكنها أيضا تحتضن إبنها النجيب الثائر ياسر عرفات ...إن العظام لا تغير في هوية التراب وهوية التراب الفلسطيني ستبقى ...عربية , عربية , عربية ...