في البدء لا بد من القول، أن الإصلاح ثمرة يجب أن يساهم الجميع (حكومة، مجلس أمة، أحزاب، نقابات، مؤسسات مجتمع مدني، مواطنين) في إنضاجها.
وتأسيسا على ذلك فإن السعي لقطف ثمرة الإصلاح سريعا قبل أن تنضج يمكن أن "يشل" حركته، ويجعله عرضة لرغبات شخصية وأمنيات، وعملية شد وجذب، يمكن أن تصل في نهاية المطاف إلى الإطاحة به.
الإصلاح مطلب أساسي، وضروري للنهوض بالبلاد والعباد على حد سواء، ولا يمكن التقدم للأمام إلا من خلال الإيمان الكامل بالإصلاح، والتعامل معه كغاية وليس وسيلة للوقوف أمام عواصف التغيير.
ما حدث ويحدث في المنطقة، يؤكد ضرورة ووجوب الإصلاح السريع والشامل، ومعالجة كل الاختلالات التي اعترضت الطريق أحيانا كثيرة، ولهذا وفي السياق عينه لا بد من الإشارة الى أن الملك تحدث أكثر من مرة عن الإصلاح قبل أن تستفحل رياح التغيير بسنوات.
السلطة التنفيذية وعبر الحكومات السابقة لم توفق في وضع مسار الإصلاح على طريقه الصحيح، فظل الموضوع يراوح مكانه، وبقيت كل المعطيات تشير إلى وجود "لوبيات" تضع العصي في طريق الإصلاح الشامل، ما يعيق المركبة من التقدم إلى الأمام، وبات الصعود بطيئا وغير ملموس.
ربما شعر البعض أن رياح الإصلاح لا تواتيهم، وشعر آخرون أن الإصلاح لا يستقيم مع طبيعة عملهم، فباتت مهمة إعاقته هدفا بحد ذاته.
الإرادة السياسية العليا للإصلاح متوفرة، وعلى من ينفذ تلك الإرادة على ارض الواقع وضع الخطوط الأساسية والرئيسية لتنفيذ المهمة بالسرعة المطلوبة، وهذه ليست دعوة لـ "سلق" الأمور سلقا والقفز عن أسس محددة يتطلبها الإصلاح الشامل، وإنما حث على عدم التباطؤ الممل والمثير للأسئلة والاستفسارات.
من لا تواتيهم رياح الإصلاح يعملون على إعاقته، ولكن المهمة في الأساس عدم منح هؤلاء الفرصة، وكشف كل ما يضعونه من عراقيل، وإخراجهم كالشوائب عن طريق التقدم للأمام.
التأخير يصب في مصلحة هؤلاء، وعدم وضع اللبنة الأولى يغري "معيقي الإصلاح" لوضع المزيد من العصي، ولهذا فإن الحكومة مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالسرعة التي لا تتسبب في حوادث والخروج من خانة البطء الشديد الذي يعيق الحركة أيضا.
الإصلاح ليس مجموعة قوانين ناظمة للحريات فقط، وإنما مجموعة قيم أخرى، لا يمكن أن نبدأ مرحلتنا الجديدة دونها، فالمحاصصة والجهوية والفئوية، والإصلاح لا يلتقيان، ولهذا فان البدء يجب أن يكون بتغيير المفاهيم والمعالجات الخاطئة التي كانت تتم سابقا.
إن كان الإصلاح مطلبا، فالجميع عليه أخذ ذلك بنظر الاعتبار، وان نعي أنه لا يمكن أن تبدأ عجلة الإصلاح بالدوران من دون "زيوت ومشحمات"، تساعد على دورانها، وتجعلها قادرة على الوصول إلى الهدف النهائي، ولهذا فان التأطير لقيم جديدة يساعد في تحقيق ذلك.
الإصلاح بمفهومه الشامل، هو سيادة القانون فعلا لا قولا، سيادته على الغني والفقير، على الوزير والغفير، وان تبدأ عجلة المساءلة بالدوران، ويعرف الجميع أن لا احد فوق القانون، ويطمئن المواطن الى أنه لن يسأل عند كل منعطف عن قربه من سين أو صاد، ويطمئن أن القانون هو وحده الذي سيسود عليه، سواء سكن عمان أو ابعد قرى المملكة.
والإصلاح أيضا هو الخروج بقانون انتخاب ممثل للجميع، يفرز نوابا تشريعيين قادرين على التشريع والمساءلة، نوابا لا يرعبهم الوزير، ولا تقفز إلى أذهانهم عند التصويت على الثقة مطالبات جماهيرهم ودوائرهم، وخوفهم من إعاقة الخدمات في منطقتهم إن حجبوا الثقة عن الحكومة.
من هنا فانه بالقدر الذي يعتبر مجلس النواب مطلبا أساسيا وضروريا ومهما، بالقدر الذي يجب أن نحرص على نوعية من يصل إليه، وقدرتهم على التشريع والمحاسبة، وإبعاد سيف السلطة التنفيذية عنه، ومنحه كل السلطات التي نص عليها الدستور.
والإصلاح السياسي الشامل أيضا يغري الاقتصاد والاستثمار، ويجلب رؤوس أموال، فالتشريعات وسيادة القانون شرط أساسي لجلب المستثمرين إلى المملكة، وشرط أساسي لدوران عجلة الاقتصاد.
البداية دائما تحتاج إلى رؤية ثاقبة، وكانت رؤية وكلمات جلالة الملك أمام السلطات الثلاث ثاقبة، وليس هذا فحسب، وإنما حملت تصميما وإرادة ملكية راسخة على أهمية الإصلاح وضرورة السير به.
مهمة تنفيذ الإصلاح تتوزع على السلطات الثلاث، فالسلطة التنفيذية عليها الإسراع بوضع حجر الأساس لبدء قطار الإصلاح، فالتلكؤ والمماطلة، والنفس الطويل، باتا إرثا من الماضي وعلى الحكومة أن تضع نصب عينيها أن الديناميكية واجب أساسي.
كما أن مجلس النواب يقع على عاتقه مهمة التعامل مع الموضوع بدراية وحنكة ومهارة، من دون النظر إلى من يطالب بحل المجلس أو يطالب ببقائه، فالأمر ليس آنيا أو شخصيا بقدر ما هو جمعي، ولهذا، فليطالب من يطالب بحل مجلس النواب، ولكن على المجلس القيام بدوره بعيدا عن سيف تلك المطالبات، والقيام بمهمة الإصلاح كما يجب.
عند استقرار المهمة والتوافق على أن طريق الإصلاح بات واضحا ومعبدا بقوانين وتشريعات، عند ذاك هل يضير مجلس النواب الحل؟، وانتخاب مجلس جديد، يكون باكورة الإصلاح المنشود.
مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب والنقابات، عليها حمل مهمة الإصلاح باعتباره هدفا استراتيجيا، وليس محورا مصلحيا فقط، وعدم ربطه ببقاء مجلس النواب أو عدمه، والدخول إلى مفاصل من المبكر الدخول بها حاليا.